رئيس جديد في إيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

في يوم الجمعة المقبل الموافق الرابع عشر من الشهر الجاري، سيخرج الإيرانيون للمشاركة في الانتخابات الحادية عشرة لانتخاب سابع رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذه الانتخابات ستأتي برئيس جديد لإيران، ليخلف الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد.

وليتولى مسؤولية إدارة السلطة التنفيذية في البلد لأربع سنوات مقبلة. ولقد سبق المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ومعه مجلس صيانة الدستور تحديد معالم توجه الرئيس الجديد بعد أن تم استبعاد أهم رموز التيار الإصلاحي من دخول الانتخابات، فأصبحت الرؤية تتجه نحو استمرار سيطرة التيار المحافظ على رئاسة الجمهورية للفترة المقبلة. ولكن ماذا يعني ذلك لدول الخليج العربي؟

إن دول الخليج العربي هي أكثر دول العالم التي تعتني بما يدور في إيران، نظراً للقرب الجغرافي وللتداخل الكبير في المصالح. دول الخليج العربي وإيران تتشارك في الإقليم الجغرافي، حيث مصالح الطرفين متشابكة لحد كبير، إلا أنها تختلف فيما بينها في نظرتها للأمن، وهو الذي أدى إلى إثارة الخلافات بين دول الخليج وإيران.

فالمفهوم الإيراني للأمن في الخليج قوامه أن تلعب إيران دور القيادة فيه، أما المفهوم الخليجي للأمن الإقليمي فقوامه الخوف من الدور الإيراني القائم على فلسفة الهيمنة، وبالتالي الاعتماد على الحلفاء للمساعدة في تحقيق الأمن لمنطقتها.

بالطبع قدوم رئيس جديد في إيران لن يغير من هذه المعادلة شيئاً، بل ستبقى الفلسفة الخليجية والفلسفة الإيرانية لمسألة الأمن الإقليمي مختلفة عن بعضهما البعض، لاسيما مع التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية مع التدخلات الإيرانية في الشأن العربي وتأجيج الاختلافات والخلافات الطائفية بين سنة العرب وشيعتهم. صحيح أن الرئيس الجديد في إيران لن يكون رفسنجاني جديداً ولا خاتمي جديداً كما تأمل دول الخليج العربي، ولكن الآمال تتجه على أن لا يكون أيضاً نجاد جديداً. فخبرة دول الخليج العربي مع الرئيس أحمدي نجاد خبرة ليست إيجابية.

حيث أن الرجل لم يسع ولا مرة نحو تطوير العلاقات الإيرانية ـ الخليجية التي حاول قادة دول الخليج مراراً مد يد التعاون آملاً في أن يجدوا أذناً صاغية لهم في إيران، بل إن الرئيس الإيراني عمل على تأجيج الخلافات القائمة بين الطرفين بتصريحاته النارية حول أمن دول الخليج، وزياراته الاستفزازية للجزر الإماراتية المحتلة، وتدخلاته في الشأن الداخلي لدول الخليج العربي.

إن دول الخليج تتطلع من الرئيس الإيراني الجديد أن يكون أكثر سعياً نحو تطوير العلاقات بين الطرفين وخلق أجواء من الثقة تساعد على بلورة توافق خليجي ـ إيراني في مسائل تعزيز الأمن الإقليمي. ولعل ما يمكن أن يساعد إيران في هذا الأمر هو أن دول الخليج لا تحمل أجندة للإضرار بإيران، بل تود لإيران أن تكون دولة مسؤولة في نطاقها الإقليمي، بحيث تتمكن من خلق الأجواء لمزيد من الاستقرار في المنطقة.

فدول الخليج لا تتدخل في الشأن الداخلي الإيراني، ولا تعمل على تأجيج سنة إيران على شيعتها، ولا تطور برامج نووية من شأنها الإخلال بتوازن القوة لصالحها، ولا تدلي بتصريحات ولا تتبنى سياسات استفزازية للطرف الآخر، وهو على نقيض كامل مع ما تقوم به إيران في المنطقة الخليجية.

صحيح أن المرشد الأعلى هو الآمر والناهي في إيران، لكن الرئيس الإيراني لديه من القوة التي تخوله أن يفتح صفحة جديدة مع دول الخليج من دون أن يُغضب المرشد، وهذا ما فعله الرئيس هاشمي رفسنجاني من قبل وهو ذاته ما فعله أيضاً الرئيس محمد خاتمي بعد ذلك. إنها أربع سنوات مقبلة لا يمكن لمنطقة الخليج أن تستمر مع حالة التجاذب القائمة بين إيران ودول الخليج، لأنها وبكل بساطة قد تؤدي إلى الوصول إلى ما نسميه في عالم السياسة إلى "معضلة الأمن"،.

وهي أن كل طرف يسعى إلى زيادة قدرته وقوته مقابل الطرف الآخر إيماناً منه بأن ذلك يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار له، إلا أن حالة الاستمرار في رفع تلك القدرات من الطرفين ستؤدي حسب هذه النظرة إلى الوصول إلى نقطة الصفر، حيث سيلتقي الطرفان عند حد المواجهة. فما كان يعتقد أنه يحقق الأمن سيعمل على الوصول بالمنطقة إلى حافة الهاوية.

وبالتالي فإن المسؤولية تقع على الجانب الإيراني ليبدي درجة من حسن النية التي يمكن استثمارها في تطوير العلاقات بين الطرفين، وهذه الخطوة أقرب ما يمكن لها أن تتحقق الآن مع الرئيس الجديد، فإما أربع سنوات من البدء في بناء الثقة بين الطرفين، أو أربع سنوات من التصعيد الذي لا يُحمد عقباه.

 

Email