جلباب الشيخ بـ35 ألف جنيه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي تعاني فيه مصر الكثير من حدة المشكلات الاقتصادية والصراعات السياسية، فإنها تواجه نوعية جديدة من المشايخ لا تتناسب والواقع الراهن. فما حدث بعد الثورة، يلفت النظر بشكل كبير إلى الكيفية التي ظهر من خلالها هؤلاء الشيوخ، وأصبحوا يتنافسون في ما بينهم على وسائل الإعلام المختلفة، ليس فقط على المستوى المصري، بل أيضا على مستوى الفضائيات العربية. فعن أي شيء يتحدث مشايخ هذه الأيام؟ وما هي دوافع أحاديثهم التي لا تنقطع عن وسائل الإعلام والمساجد؟

الواقع أن مشايخ هذه الأيام لديهم المقدرة على الحديث عن أي شيء وأي ظاهرة، سواء ترتبط بالدين وبأحوال العباد أو لا ترتبط. فالكثير منهم يتحدث عن وسائل الإعلام والثورة والسياسة والاقتصاد، وأوضاع الجيش المصري، ومشاكل التنمية في سيناء وانقطاع الكهرباء، وغيرها من القضايا والمشكلات المختلفة، سواء فهمها أو لم يفهمها.. المهم أن يتحدث ويدلي بدلوه، مثل أي ضيف آخر على وسائل الإعلام المختلفة.

وإذا كنا نلوم الإعلاميين وضيوفهم على الحديث بسطحية عن الكثير من الموضوعات التي تستدعي استقدام متخصصين يفهمون أبعادها وتأثيراتها المجتمعية المختلفة، فإننا فوجئنا هذه الأيام بتصدر بعض المشايخ للمشهد الإعلامي، وتفضلهم علينا بالحديث عن كل شيء وأي شيء، سواء ألموا به ووعوه أو لم يلموا به ولم يفهموا منه شيئا.

وإذا كنا قد نقبل ذلك من الإعلاميين وغيرهم من الضيوف، فإن الأمر غير مقبول على الإطلاق من رجل الدين، الذي يجله باقي أفراد المجتمع ويتوقعون منه صواب الحديث وصدقه.

أغلب الظن أن الكثيرين ممن يطالعوننا هذه الأيام، لا يرقون لمرتبة المشايخ المتعلمين الحقيقيين، الذين ارتبط بهم تاريخ مصر الوسطي المتسامح، مثل محمود شلتوت ومحمد عبده ومحمد المراغي وغيرهم، وصولا إلى شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب. فالمشايخ الجدد مشغولون بالسياسة وأزماتها، وتعبيراتها الأيديولوجية الحادة. لذلك فهم في الواقع يعبرون عن مصالح جماعات ينتمون لها.

ويختارونها دون غيرها، وهو أمر يفسر موضة الحديث عن الجهاد هذه الأيام في مصر، وما يرتبط به من دعوات دموية حادة، قد تغرق مصر كلها في حروب دامية لم تعهدها عبر تاريخها الطويل. ويلفت النظر هنا أن بعض هؤلاء أيضا قد نشأوا وتربوا في أحضان عداء النظام السابق، مستخدمين في ذلك السلاح من أجل الخروج على الحاكم وقتل أعوانه من رجال الشرطة والجيش.

وإذا كان الكثيرون منهم ينكرون العنف ويدعون إلى الوئام الاجتماعي، فإن خطاباتهم كثيرا ما تكشفهم وهم يتحدثون عن عدم جواز تهنئة الأقباط بأعيادهم، أو اتهاماتهم العدائية للمعارضة الليبرالية المدنية في مصر، التي تصل لحد التهديد بحمل السلاح والقتل، إضافة إلى الكثير من الأحاديث التي تكرس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتزيد من جرح الوطن وآلامه، ناهيك عما قد تسببه من تفكيك جغرافي بالمعنى الحقيقي للكلمة.

وما تقوم به الجماعات الإرهابية في سيناء الآن، هو امتداد، بشكل أو بآخر، للكثير من فتاوى هذه الزمرة من المشايخ الجدد، الذين لا يعنيهم الوطن في شيء، ولا يعنيهم أمان الجند المرابطين على الحدود في شيء، بقدر ما تعنيهم مصالحهم الضيقة جدا، ورغبتهم التي لا تلين في النيل من جهازي الشرطة والجيش في مصر.

آخر تقاليع هؤلاء المشايخ، قيام أحدهم ببيع جلبابه بـ35 ألف جنيه مصري عبر مزاد علني، وقيام آخر ببيع قلمه الخاص بمبلغ 6 آلاف جنيه مصري.. هكذا وصلت الأمور بهؤلاء لمثل هذا المستوى الذي يخلقون من خلاله أتباعا يقدسونهم بمثل هذا الشكل، بحيث يصل سعر الجلباب أو القلم لسعر لا يستحقه أي منهما. فأي شرع يبيح هذا الشكل من القداسة؟ وأي شرع يبيح هذا الأسلوب من المضاربة على شيء لا يستحق سعره؟

لقد وصلت أفكار وممارسات هؤلاء المشايخ الجدد لمستويات غير مسبوقة، أخطرها حالة القداسة التي يوهمون بها أتباعهم ومريديهم، وهي وضعية قام الإسلام من أجل نفيها، من خلال التأكيد على مساواة العباد أمام رب العباد. من عجب أن ممارسات هؤلاء المشايخ والجماعة الحاكمة في مصر الآن، التي تتمسح بالدين وتدعي العمل به، أدت إلى ارتفاع نسبة الإلحاد في مصر.

ففي دراسة رصدتها مؤسسة "فورد" الأميركية على عينة من الشباب المصري تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاما، رصدت ارتفاع عدد الملحدين في عام 2012 إلى 3%، وهي نسبة كبيرة في مجتمع يمتلئ بهؤلاء المشايخ، وتحكمه جماعة تدعي انتماءها إلى الدين. اللافت للنظر هنا، أن لجنة الشباب في مجلس الشورى المصري انعقدت من أجل مناقشة هذه الظاهرة، دون أن يسأل أي من أعضائها المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، عن سبب ارتفاع هذه النسبة بعد وصول الجماعة للحكم!

Email