برغماتية أميركا وإيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أبرز ما يمكن أن يصف إستراتيجية كل من الولايات المتحدة وإيران تجاه بعضهما البعض حول ملف البرنامج النووي الإيراني هو الرغبة من قبل الطرفين في الحفاظ على الوضع القائم باعتباره يمثل مرحلة مقبولة لدى الجانبين. فعلي ما يبدو أن الجانب الأميركي والجانب الإيراني متفقان ضمنياً على ضرورة عدم دفع كل طرف للطرف الآخر في السير المجبر نحو ما لا يرغب به الطرف الآخر.

فالولايات المتحدة لا تود التهديد والوعيد لطهران بتوجيه ضربة عسكرية لها طالما أن طهران تدرك بأن أي تحرك نحو امتلاك القنبلة النووية سيؤدي إلى تحرك أميركي عسكري، لذلك فإن طهران لا تعمل نحو امتلاك القنبلة النووية. فكل طرف مرتاح من النوايا الحالية على أقل تقدير للطرف الآخر، وعليه لا تبدي طهران سعياً واضحاً لإمتلاك القنبلة النووية، وبالتالي لا تضغط بدورها واشنطن في السير نحو الضربة العسكرية.

ولعل هذه الإستراتيجية ناجحة إلى الآن في ردع كل طرف من التشدد في موقفه، فالرئيس الأميركي باراك أوباما يسعى إلى المحافظة على الوضع القائم لطالما أنه يحقق هدف واشنطن في إبعاد إيران عن امتلاك السلاح النووي وإبعاد واشنطن عن الدخول في مغامرة عسكرية مكلفة على واشنطن.

والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي هو أيضاً يسعى للمحافظة على الوضع القائم لطالما أنه يحقق هدف طهران بإبعاد شبح الضربة العسكرية عن بلاده ويبقي برنامجها النووي يسير على قدم وساق في عمله الروتيني من دون عراقيل. هذه الإستراتيجية على ما يبدو مرضية للطرفين، فهي تحفز إيران في عدم التصعيد النووي طالما أنها لا تتنازل عن برنامجها النووي وطالما كذلك أنها تجد الرضا من قبل واشنطن عن وضع إيران الحالي.

واشنطن ليست في مزاج الخيار العسكري رغم أنها تضعه كخيار من إحدى الخيارات المطروحة على الطاولة، ولو كان آخر الخيارات. ولكن طهران تدرك جدية الموقف الأميركي، لذلك لا تحاول حشر واشنطن في زاوية المواجهة معها وذلك من خلال عدم سعيها لتطوير القنبلة النووية.

هذه الإستراتيجية الأميركية هي أفضل المطروح في الوقت الراهن تجاه إيران والتعامل مع برنامجها النووي، لأنها تحقق الهدف المرجو من دون الدخول في اتفاق مشترك أو صفقة ما أو حتى اللجوء إلى الحسم العسكري للموقف. ولعل أسلوب العصا والجزرة الأميركي هنا لا يشمل تنازلات أميركية لإيران وإنما يقدم لطهران ضمانة عدم المواجهة العسكرية لطالما لم تطور السلاح النووي.

فأسلوب أوباما الأقل مواجهة مع إيران يحقق هدفه وإن كان هذا الهدف ليس نهائياً بل تكتيتكي ومؤقت. ولطالما أوباما يستمر في نهجه فإنه لا يتوقع من طهران أن تجبر واشنطن على تغيير نهجها هذا. فالكل يلعب دوره بإتقان.

نحن نعلم أن أوباما ليس في مزاج المواجهة بسبب الوضع الاقتصادي الحساس الذي تمر به بلاده والتي لا يمكن أن تقبل بتكلفة باهظة تدخل الاقتصاد الأميركي في دوامة جديدة من عدم الاستقرار والتوتر. ولكن هذا لا يعني بأن واشنطن لن تتجرأ على التحرك في المستقبل إذا ما دعت الضرورة لذلك .

وكانت في وضع اقتصادي أكثر استقراراً. ولعل في هذا الأمر رسالة واضحة لطهران بأن برنامجها النووي لن يذهب بعيداً، بمعنى أن واشنطن في الوضع الحالي أو الوضع المستقبلي ستتحرك عسكرياً إذا ما تحركت إيران نحو امتلاك السلاح النووي.

وفي هذا نوع من الطمأنة بأن الحد الذي تسعى له طهران هو الحصول على المعرفة النووية الكفيلة بالاستمرار في برنامجها النووي وليس السعي نحو تطوير البرنامج للوصول به للقنبلة النووية. وواشنطن بالطبع لا تمانع ذلك طالما أن إيران تقف عند هذا الحد ولا تتجاوزه. ولعل إدراك إيران لذلك واكتفاءها بالتالي في الحصول على المعرفة النووية دون الذهاب بها إلى أبعد من ذلك.

لاسيما في هذا الوقت الذي فيه الولايات المتحدة أكثر ضعفاً من أي وقت مضى، لهو مؤشر مطمئن بأنه لا نية لطهران لامتلاك السلاح النووي. بمعنى آخر إذا لم تمتلك إيران السلاح النووي في عهد أوباما فإنها بالطبع لن تتمكن من ذلك في عهد من يأتي بعد أوباما، حيث إن من يأتي بعد أوباما سيواجه في الغالب اقتصاداً أفضل من ما هو عليه الاقتصاد في عهد أوباما؛ وبالتالي لن يردعه الاقتصاد عن مواجهة إيران. فما علينا سوى أن نربط الأحزمة ونجلس بأريحية كاملة.

حيث إن الوضع المستقبلي لن يختلف عن ما هو قائم، فمازلنا أمام أكثر من ثلاث سنوات من ولاية أوباما الراغبة في الحفاظ على الأمر الواقع، وقيادة إيرانية تتعامل مع الأمور ببراجماتية بارعة، فكلا الطرفين يحققان مكاسب من وراء المحافظة على الوضع القائم فليس في الأفق ما يمكن أن يشير إلى أن مثل هذا الوضع سيتغير في القريب.

 

Email