مجموعة الحبتور تفكّر إماراتياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدرك الإمارات العربية المتحدة، هذه الدولة الفتيّة التي لم يمضِ سوى أربعة عقود ونيّف على تأسيسها، الدور الذي تؤديه الجاليات الوافدة في إنجازاتها الهائلة. لكن اليوم، بعدما بات لبلادنا كيانها الخاص، وأصبح شبابها من الأوسع علماً وثقافة في العالم، يجب منحهم فرصاً كي يتألّقوا. فعدد كبير منهم، رجالاً ونساءً، تخرّجوا من خيرة الجامعات في الخارج.

وهم يتحلّون بالإبداع، وروح المبادرة والريادة، والطموح. غالباً ما يدهشونني بمهاراتهم المتعدّدة، وبراعتهم في استخدام التكنولوجيا، وحسن اطّلاعهم على الشؤون العالمية. والأهم من ذلك، يحبّون وطنهم ويحرصون على النهوض بالدور المنوط بهم للمساهمة في نموّه.

لطالما أوليت اهتماماً خاصاً للأهداف التي تسعى حملة التوطين إلى تحقيقها، عبر إعطاء الأولوية للإماراتيين المؤهلين الراغبين في التوظيف. لقد أُنعِم علي بأن أولد في دبي، وأشعر بالفخر والاعتزاز لأن شركاتي ساهمت في تطوّر الإمارات، ولا سيما في قطاعات الضيافة والعقارات والإنشاءات والسيارات والتعليم. أفتخر بأن أعتبر نفسي من الجيل الذي تخطّى المشقّات في تلك الأيام، عندما كانت مدننا الرائعة مجرّد قرى بالكاد يرد اسمها على الخريطة.

ربما يصعب تصديق الأمر الآن، لكنني ما زلت أذكر كيف كنّا نعاني الأمرّين للعثور على مياه نظيفة، وكيف كان نظامنا الغذائي يقتصر على السمك والبلح وحليب الناقة. وأنا ممتنّ على وجه الخصوص لمؤسّسَي دولتنا، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمة الله عليهما، اللذان كانت قيادتهما ورؤيتهما الاستثنائية الثاقبة وتصميمهما على النجاح، القوّة الدافعة وراء التحوّل الذي شهدته الإمارات.

لقد وضعا معاً خطة للتفوّق والامتياز، يلتزم بها خلفاؤهما بكل أمانة وتفانٍ. وخير دليل على ذلك هو أن الإمارات من البلدان القليلة جداً في العالم، التي تشهد نمواً اقتصادياً بعد انهيار الاقتصاد العالمي الذي بدأ في العام 2008، والذي ما زال يرخي بظلاله على الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى.

قبل بضع سنوات، توقّع معلّقون غربيون، بلهجة منتشية، أن تبتلع الرمال دبي. ربما كان ذلك مدعاةً للضحك والسخرية بالنسبة إليهم، لكن حتى الأكثر جموحاً بينهم لا بد له من الإقرار بأننا نحن من نضحك الآن الضحكة الأخيرة.

العام الماضي، سُررت كثيراً لقيام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات وحاكم أبو ظبي، بإطلاق "مبادرة أبشر" التي تهدف إلى تشجيع الإماراتيين على العمل في القطاع الخاص، حيث يستحوذ الوافدون على الحصّة الأكبر من الوظائف.

وأكثر من ذلك، حصلت هذه المبادرة على الدعم الشخصي من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فقد أعلن العام 2013 "عام التوطين"، مع التأكيد على الهدف الأساسي لـ"مبادرة أبشر" المتمثّل في تأمين مستوى معيشي لائق للمواطنين الإماراتيين.

تشير الإحصاءات الحالية إلى أن عدد الإماراتيين الذين يعملون في القطاع الخاص، يبلغ حوالي 22 ألفاً فقط في هذا القطاع الذي يوظّف أكثر من أربعة ملايين شخص. وفي رأيي، كما في رأي عدد كبير من الإماراتيين، أن هذا التفاوت يدعو إلى القلق؛ ويؤكّد هذا الواقع أيضاً المشاعر التي عبّر عنها رئيس إدارة تنمية القوى العاملة في دبي، الذي قال مؤخراً "نعيش في عالم تسوده العولمة.

والجميع يتنافسون على الوظائف مع الصين والبرازيل والولايات المتحدة. حان الوقت كي يعمل الشباب الإماراتيون على الارتقاء بمهاراتهم لمضاهاة الأفضل في العالم، وذلك لما فيه مصلحتهم ومصلحة بلادهم".

ثمة اعتقاد خاطئ بأن الإماراتيين يفضّلون الوظائف الحكومية على وظائف القطاع الخاص، لأنهم يبدأون العمل برواتب أعلى، ويعتبرون أن ظروف العمل في القطاع العام أفضل. في الواقع، تُقدِّم الشركات الخاصة فرصاً أكبر للتقدّم الوظيفي، ومكافآت "حدودها السماء" للموظفين المجتهدين والموهوبين، الذين يستفيدون في نهاية المطاف من مختلف التحديات، التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من عالم الأعمال والتجارة والمال والصناعة.

لا أقصد التقليل من شأن الأشخاص الذين يختارون بناء مسيرتهم المهنية في خدمة الحكومة، وهو خيار قيّم ويستحق التقدير، لكن لا بد لي من الإشارة إلى أن القطاع الخاص الذي لا يرزح تحت وطأة القواعد والتنظيمات، يتيح مساراً تعلّمياً مختلفاً - وأكثر تشويقاً ومرونة في معظم الأحيان - للموظّفين الديناميكيين المتميِّزين في تفكيرهم وعملهم.

لقد تحمّست كثيراً لفكرة زيادة عدد الموظّفين الإماراتيين في شركاتي، ولذلك طلبت من مسؤولي الأقسام في مجموعة الحبتور إعطاء الأفضلية للإماراتيين الذين يتقدّمون بطلبات توظيف. في الوقت الحاضر تم توظيف 30 إماراتياً فقط، لكنني أتمنّى بشدّة أن يسجّل هذا الرقم زيادة كبيرة بحلول نهاية العام الجاري.

إلا أنه لا بد من توضيح نقطة مهمة، وهي أنه لا يكفي أن يكون الشخص من حاملي الهوية الإماراتية كي يحصل على الوظيفة. فشركاتي ناجحة ومزدهرة لأنني لطالما آمنت بتوظيف الأفضل، ولا أنوي مطلقاً تغيير هذه السياسة التي اختبرناها على مرّ السنين وأثبتت فعاليتها.

يُتوقَّع من طالبي التوظيف الإماراتيين أن يُحضروا معهم إلى المقابلة شهادات أكاديمية تنافسية، وأن يكونوا من ذوي الخبرة أو حائزين على تدريب يتناسب مع متطلّبات الوظيفة الشاغرة. فضلاً عن ذلك، يجب أن يكونوا حسني المظهر، ويتمتّعوا بالحماسة للعمل والقدرة على الإنجاز.. ليس للسلبية من مكان في أيٍّ من أقسامنا. نتوقّع من موظفينا، سواء كانوا إماراتيين أو وافدين، أن يتحلّوا بالالتزام والتفاني.

لا نريد أن ينضمّ إلى أسرة مجموعة الحبتور أشخاصٌ يهتمّون بالرواتب أو ساعات العمل أو العطل، أكثر مما يكترثون لتحقيق تطلّعاتهم المهنية في المدى الطويل، في مجموعة من الشركات التي تعمل بفعالية على تطوير موظّفيها وتكافئ بسخاء الجهود المتميِّزة التي تشكّل قدوة للآخرين.

نحن نقدّر أولئك الذين يبدون استعداداً للتعلّم، وفي مجموعة الحبتور يمكنهم أن يتعلّموا من الأكثر كفاءة وتفوّقاً. نسعى جاهدين إلى استكشاف الموظّفين الذين يتمتّعون بمزايا قيادية بالفطرة ويمكنهم أن ينهضوا بأعباء إدارية، ونعمل على تدريبهم وتهيئتهم لتحمّل مسؤوليات أكبر، ونكافئهم على هذا الأساس. نطلب من جميع موظّفينا التحلّي بالمعايير الأخلاقية العالية والولاء الشديد، ونعاملهم بالمثل أضعافاً مضاعفة، لأنني أكثر المدركين بأن القوة العاملة في شركاتي هي كنزنا الأكبر.

يسعدني أن عدداً متزايداً من الشركات الإماراتية المرموقة، يتبنّى برنامج التوطين بحماسة كبيرة، إلا أنني أودّ أن أذكّر القلّة المترددة والتي لا تزال تعبّر عن تحفّظات، بأن الفضل في النمو الهائل والاستثنائي الذي حقّقته بلادنا، يعود إلى حكّامنا وكبار رجال الأعمال ومواطنينا. الإماراتيون هم من عملوا بكدّ وجهد لإرساء أسس أمّتنا وتوجيه مسارها.

إنه الوقت المناسب كي يتقدّم الإماراتيون إلى الواجهة، ويرسموا مصيرنا المشترك. آن الأوان كي يشمّر الشباب الإماراتيون عن سواعدهم، وينكبّوا على العمل بزخم وحماسة، فيما تبذل الحكومة والقطاع الخاص جهوداً غير مسبوقة لدمج الخبرات الإماراتية في كل الميادين الاقتصادية على المستويات كافة. تلتزم مجموعتي العمل من أجل تحقيق هذا الهدف، شرط أن يبدي المواطنون الإماراتيون رغبة في التجاوب، ويكونوا مستعدّين لوضع تحدٍّ شديد التنافسية.

لذلك أدعو أبناء وطني كي يتقدّموا ويثبتوا كفاءاتهم لأنفسهم وللعالم. من غير الواقعي أن نتوقّع حدوث التغيير بين ليلة وضحاها، لكنني يحدوني الأمل في أنه إذا بدأنا الآن نفكّر إماراتياً من خلال العمل على تطبيق برنامج التوطين، سوف يكون غدنا أكثر إشراقاً.

Email