لم نعـد الأول عـربياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أكثر ما فاجأني مؤخراً هو التراجع الكبير لترتيب دولة الإمارات العربية المتحدة في مؤشر دليل التنمية البشرية العالمي لعام 2013 والذي يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشكل دوري من خلال تقرير التنمية البشرية العالمي. هذا الدليل يقيس إنجازات الدول عبر ما تحققه في مجالات تنمية البشر الثلاثة الرئيسية والمتمثلة في كل من:

المجال الصحي والمجال التعليمي والمجال الاقتصادي، أي مستوى معيشة الأفراد. لقد حققت دولة الإمارات قفزات جيدة في مؤشر دليل التنمية البشرية منذ انطلاق الدليل في عام 1990، حيث استطاعت الدولة أن تصل في عام 2011 إلى أفضل ترتيب لها بين دول العالم، حيث احتلت المرتبة الثلاثين متفوقة على جميع الدول العربية، باعتبارها الدولة العربية الأولى في ترتيب التنمية البشرية.

ومن ضمن الدول السبع والأربعين المصنفة عالمياً بأنها صاحبة تنمية بشرية مرتفعة جداً. وبهذا الترتيب تمكنت الدولة من أن تقفز في الترتيب العالمي من الترتيب الرابع والخمسين في تقرير عام 1990 والذي صنفها من ضمن الدول صاحبة تنمية بشرية متوسطة إلى التصنيف الثلاثين في عام 2011 حيث أصبحت من الدول صاحبة تنمية بشريد مرتفعة جداً.

ولكن الأمر المفاجئ هو التراجع الكبير الذي حدث لتصنيف الإمارات من مرتبتها الثلاثين عالمياً والأولى عربياً في عام 2011 إلى المرتبة الحادية والأربعين عالمياً والثانية عربياً بعد قطر في عام 2013. هذا التراجع يثير العديد من التساؤلات حول سبب هذا التراجع لنحو إحدى عشرة مرتبة عن ما كان عليه الوضع قبل عام. ما الذي حدث حتى يحدث هذا التراجع الكبير؟!

لقد كانت قيمة دليل الإمارات تساوي 0.846 في عام 2011، إلا أنها تراجعت إلى 0.818 في عام 2013، أي تراجع بإحدى عشرة مرتبة، الحقيقة هي أنه لا يمكن من الناحية الواقعية أن يحدث هبوط بهذه الطريقة في ظل عام واحد، حيث إن التغير من المفترض أن يمر عبر سنوات لاسيما في حالة دولة الإمارات التي لم تشهد تراجعاً في خدماتها التعليمية والصحية والمستوى المعيشي للأفراد.

كما أن التراجع لم يكن نتيجة تغير كبير في قيم دليل التنمية البشرية للدول الأخرى، فالدول التي كانت تلينا في الترتيب حسب تقرير 2011 شهدت تطورات طفيفة في قيمة دليلها. الأمر الذي لا يمكن أن يفسر التراجع الكبير لقيمة دليل التنمية البشرية للإمارات.

المشكلة لا يمكن أن تكون مرتبطة بالبيانات الخاصة بالإمارات باعتبار أن الأرقام الإحصائية في الدولة موحدة وتظهر عن جهات متخصصة تتولى جمع وحفظ المعلومة الإحصائية. فأين المشكلة إذاً؟ لابد أنها في الجهة التي تولت عملية القياس لدى فريق التقرير، فهل يعقل مثلاً أن متوسط عدد السنوات للدراسة يتراجع في سنة واحدة من 9.3 سنوات إلى 8.9 سنوات!

وهل يعقل أنه في سنة واحدة يتراجع عدد السنوات المتوقعة للدراسة من 13.3 في عام 2011 إلى 12 سنة عام 2013! وهل يعقل أن نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي يتراجع من 59.993 دولارا أميركياً في عام 2011 إلى 42.716 دولاراً أميركياً في عام 2013 والإمارات تشهد تحسناً اقتصادياً أفضل عن ما كان عليه في السنوات الماضية!

إن تفسيرنا العلمي لهذا التراجع، بحكم خبرتنا في هذا المجال، يأخذنا إلى التفسير القائل بأن هذه المعلومات التي تظهر على أنها لتقرير حال التنمية البشرية لعام 2013 إنما هي في الواقع تعود إلى تحليل معلومات وأرقام سنتين أو ثلاث سنوات سابقة على الأقل، فما يعتبر على أنه لتحليل وضع 2013 إنما هو بالفعل تحليل لوضع عام 2010 أو ما قبل.

حيث أن الأرقام تكون أكثر اكتمالاً في تلك السنة عنه في السنوات اللاحقة مما يُمكن المحللين إدراجها في الدليل، فعدم اكتمال الأرقام للسنوات اللاحقة يجعل من الصعب إدراجها وبالتالي اللجوء إلى الأرقام الأقدم. ولعل هذا ما يمكن أن يفسر هذا الاختلاف، ولكن السؤال هل كان الوضع التنموي متراجعاً في تلك السنوات إلى هذا الحد الذي يصنفنا هذا التصنيف المتراجع عن ما كان عليه في السابق؟!

مهما يكن الأمر، فهناك وضع ما غير صحي في هذا التراجع، وهو الذي من المفترض أن يلقى اهتماماً من قبل الجهات المختصة في الحكومة للنظر إليه بجد. فلقد كنا قبل هذا العام نتفاخر بموقع الإمارات الريادي في مجال التنمية البشرية وبشهادة منظمة دولية عريقة كالأمم المتحدة عبر برنامجها الإنمائي، فما الذي سنقوله اليوم بعد أن تراجعنا كل هذا التراجع؟

كنا شخصياً من دعاة أن يكون لدينا تقريرنا الوطني الخاص بنا لحال التنمية البشرية في دولة الإمارات كما هو الحال في العديد من دول العالم، يضعه المختصون الوطنيون بالتعاون مع خبرات الأمم المتحدة. ولكن للأسف منذ التقرير الأول والأوحد لحال التنمية البشرية في الإمارات لعام 1997 لم يُجر إعداد أي تقرير وطني بعد ذلك، وتركنا الأمر للجهات الدولية تفتي في الموضوع كما تشاء. ولعل هذا درس لا بد أن نتعلم منه، إذا أردنا أن نحافظ على طموحنا نحو الريادة.

 

Email