بركان التغيير في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الأوضاع العامة في العراق، الأكثر بؤساً بين كافة مجتمعات دول العالم. الأسباب والعوامل متعددة، منها ما هو داخلي محلي، ومنها ما يأتي تلقائياً أو مبرمجاً من الخارج. بدأ العراق الحديث بعملية سياسية مثيرة لكل أنواع الشكوك والجدل، بشأن المشاركين فيها ومكوناتها ومسارها الذي يراوح المربع الأول في تطوره.

لم يبق في البيت العراقي مكان إلا وتأثر سلباً بتلك العملية السياسية. الدولة والشعب ينزفان في كافة الاتجاهات والأبعاد؛ الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية. لا عجب في ذلك، فلقد تم تقسيم الشعب لمجموعات رئيسية تناصب أنفسها العداء المحكم.

الطائفية في العراق تكاد تحرق كل شيء في البلد، ولا تبقي منه سوى أعمدة من الكراهية وحب الانتقام، والميل غير العادي نحو السلبية واليأس والتشاؤم.

تواجه القيادة العراقية الممثلة بالقائد شبه الأوحد، رئيس الوزراء، وضعاً لا تُحسد عليه. بطبيعته وتكوينه وتاريخه، يمثل السيد نوري المالكي طيفاً ضيقاً من الوطنية المقبولة دولياً. خصومه يحظون بقبول شعبي وإقليمي ودولي عام، أكبر وزناً وتقبلاً.

السيد المالكي الآن يحاصر نفسه، وتضيق حوله دائرة الأتباع والموالين المخلصين. بات الشعب نفسه غير قابل للاستمرار في تأييد حاكم لا يأتيهم من بقائه في الحكم إلا الاستنزاف اليومي والتخلف والفوضى، والفقر والجوع والدماء. الشعب العراقي بأغلبه يميل، وبدرجات متفاوتة، نحو تغيير يضمن للعراق الأمن والأمان والسلام ورغد العيش.

لم يقرأ السيد المالكي دروس ربيع التغيير العربي جيداً، أو قرأها بسطحية رافضة لها، وبقي مُصراً على رأيه. باتت له وجهة نظر سلبية إزاء ربيع التغيير والشعوب التي مرت بتلك التجربة. اتخذ موقفاً سلبياً إزاء الثورة الشعبية العارمة في سورياً، مما أظهره بوجه طائفي كان من الممكن أن يتفادى الوقوع فيه.

 لم يقرأ جيداً ما جرى في تونس، وكيف أن البطالة الشبابية يمكن أن تولد انتفاضةً تنهي وجود طاغية ممتهن للاستبداد. ولم يقرأ الأوضاع في ليبيا ومصر واليمن، حيث الأوضاع في العراق باتت تحتضن مزيجاً مما كان هنا وهناك. إضافةً إلى ذلك، فالحكومة العراقية غير قادرة على اتخاذ موقف مناصر للحملة الغربية على إيران بشأن توجهاتها الاقتصادية والنووية والسياسية.

بات لزاماً على أركان العملية السياسية العراقية، بعد الاحتلال الأميركي، مراجعة العملية برمتها، والقيام بتصليحها أو ترميمها أو تغييرها، أو حتى الطلاق منها. هذا إذا ما أرادت القيادة العراقية تجنيب البلاد مرور الربيع العربي عليها، وما قد يحمله من ويلات وكوارث ومآسٍ. ذلك إذا ما استطاعت القيادة التقدم ولو خطوة واحدة في هذا الاتجاه الإصلاحي، بسبب عدم قابلية العملية السياسية العراقية للمراجعة أو حتى البت فيها.

الدستور العراقي بعد الاحتلال، تمت صياغته بأقلام أجنبية، والخوض في تصحيحه أشبه بمحاولة تصحيح نص مقدس، بالنسبة لمن تولوا الأمر بناء على نصوصه. صيغ الدستور العراقي إبان حقبة سياسية، كان الساسة العراقيون يقبلون فيها بأي شيء يُملى عليهم.

لا يبدو المشهد العراقي سائراً في اتجاه الإخماد أو التهدئة أو التراجع، ولو بشكل جزئي. طبيعة الواقع والسياسة وتسلسل الحوادث، تفرض نمطاً معيناً من المواجهة بين أطراف الطيف العراقي.

لم تعد تنفع الاتهامات الحكومية للأطراف العراقية لوقف الانتفاضة، خاصةً المبنية على أسس أو نيات طائفية واضحة. فأهل الأنبار عراقيون قبل أن يُحسبوا من السنة والجماعة، وكذا الأمر بالنسبة لأهل صلاح الدين ونينوى وبغداد وديالى. الأمر ينسحب على أهل الجنوب والشمال، الذين تم إلصاق وسمي الشيعة والكرد بهم، على التوالي. هؤلاء لا يمكن محاصرتهم وتهميشهم كونهم صدريين أو مسلمين معتدلين أو أكراداً معارضين بالفطرة.

البوتقة العراقية تحتوي أطيافاً متنوعة، وقد فشلت الظروف والممارسات والبرامج الديمغرافية الشريرة في تمزيقهم وفصلهم عن بعضهم، بسبب تداخل مصالحهم بشكل حيوي ومصيري حاسميْن.

 

Email