المصريون بين بهجة الثورة وكآبة «الأخونة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقدر السعادة التي شعر بها المصريون بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، بقدر التعاسة التي يكابدونها الآن في ظل حكم الإخوان، وضعفهم الشديد في إدارة شؤون البلاد.

فالإخوان كشفوا عن تنظيم بالغ الضعف والهشاشة. أهل الكهف، كما وصفهم محمد حسنين هيكل في آخر أحاديثه التليفزيونية، لا يعون تحولات العصر وتغير لغته ومفاهيمه وقيمه، قوم متحجرون لا يصدقون ما حدث لهم، يلتفون فقط حول شيوخهم، يقدسونهم بما يخالف شرع الله، ويخالف ما يدعون إليه ليل نهار.

وتأخذ هذه التعاسة أشكالاً ووجوهاً كثيرة، يلاحظها أي مراقب الآن بين المصريين، الذين ما فارقت الابتسامة شفاههم في أحلك الظروف والأوقات. كيف يحيا المصريون المعاصرون في ظل الحكم الإخواني، وفي ظل ماكينة الكذب الإعلامية المرتبطة بهم؟

وهل يصدقهم المصريون في ما يقولون ويدعون، أم أنهم انكشفوا بشكل كبير، بما يغير من نظرة رجل الشارع العادي لهم؟ وما هى أحاديث الشارع المصري اليومية بخصوص تلك الجماعة والزمرة الجديدة الحاكمة؟.

مؤشرات رجل الشارع العادي في مصر، وهو الأهم وسط التحولات الهائلة التي تكتنف مصر الآن، تؤكد على ارتفاع نسبة الكآبة بين المصريين، فلا حديث بين المصريين الآن سوى المقارنة، للأسف الشديد، بين ما كان عليه الحال قبل الثورة، وما آلت إليه الأوضاع بعدها في ظل حكم الإخوان.

تسمع الكثير من الأحاديث الثنائية أو الثلاثية أو الجماعية.. يقول أحدهم "كانت الأوضاع ليست جيدة ولكنها كانت ماشية"، ويقول آخر "صحيح كان فيه فساد، لكننا كنا نشعر بالأمن".

ويقول ثالث "كنا نمشي في الشارع ليلاً لا نخاف شيئاً"، ويقول رابع "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، ويقول خامس "الأسعار كانت أفضل، والحياة كانت تسير، بصعوبة لكنها كانت تتحرك بشكل أو بآخر"، ويقول سادس "الحياة أصبحت صعبة جداً، والأسعار تزيد كل ساعة".

هذه مجرد نوعية لما يتداوله المصريون الآن في بيوتهم، أو على المقاهي، أو في المواصلات العامة، أو في تجمعاتهم العائلية والقرابية، أو مع أصدقائهم. وهى جميعها تؤكد الحسرة على ما فات، وعلى تذمر من الثورة، وعلى ضياع تام للأحلام المرتبطة بها.

ورغم تردي الأوضاع اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في مصر قبل الثورة، فإن المصريين كانوا ينعمون بمسألة يفتقدونها الآن، تتعلق بالاستقرار والأمن والحصول على فترات طويلة من استتباب الأوضاع. فقد قبل المصريون قبل الثورة العمل لفترات طويلة، وقبلوا معاناة توفير الحاجيات البسيطة لأسرهم وعوائلهم، نظير تلك الراحة المرتبطة بالفضاء المجتمعي العام.

أما الآن، فقد زادت المعاناة الاقتصادية، وزادت الأسعار بشكل مخيف لم تصل إليه في ظل النظام السابق، لكن الأخطر من ذلك، أن المصريين افتقدوا أيضاً نعمة راحة البال التي كانوا يفضلونها ويبحثون عنها ويحافظون عليها دائماً.

فقد نجح النظام السياسي الحاكم الآن، في ما لم ينجح فيه نظام مبارك، وهو شيطنة المجتمع وأبلسته، وإضفاء حالة مجتمعية عامة من الذعر والقلق والاضطراب.. فكيف يمكن الحصول على قدر ما من الاستقرار في ظل مجتمع تتغير فيه الأحوال والأوضاع من ساعة لأخرى.

ومن صباح لمساء، ومن يوم ليوم آخر! هكذا يحيا المصريون الآن، تغيرات هائلة في كل لحظة، واضطرابات ومظاهرات وقطع للطرق وإضرابات، وتعدٍّ على المؤسسات بكافة أشكالها وأنواعها وأهميتها. ومما يساعد على هذه الأوضاع، ضعف هائل في النظام الحاكم، وتضاربات هائلة في قرارات الحكومة، وتدخل سافر من قبل جماعة الإخوان والتيارات الدينية المساندة لها، في شؤون البلد، بما يضر به ويزيده تدهوراً وانهياراً.

الملم بأوضاع المصريين، وتحولاتهم، وشخصيتهم، يدرك تماماً أن ابتسامة المصريين وقدرتهم على نسج النكات في ظل أقسى الأوضاع، قد ضاعت تحت وطأة شيطنة المجتمع التي تمارسها قيادات الإخوان ليل نهار. أفلح الإخوان في ما لم يفلح فيه غيرهم عبر عقود طويلة من الزمن، أفلحوا في وأد قدرة المصريين على تجاوز المحن، والتعالي عليها بمكر واقتدار.

فهل يستمر غياب الضحك والبهجة بين المصريين؟ أم أن ذلك الشعب العظيم قادر على المكر بتلك الجماعة الغادرة التي هاجمت مشيخة الأزهر العظيم، وتركت الكاتدرائية المهيبة لبلطجية النظام، وتحاول ليل نهار النيل من الجيش وقادته وعزته وكبريائه، ولا تألو جهداً في تفكيك الشعب المصري والنيل من عزته وكبريائه؟.

لا يمكن للمصريين أن يحيوا بدون دعابة أو ابتسامة أو نكات، ومهما شيطنت الجماعة المجتمع، فإنه قادر على القفز على مكائدها، والمكر بأهدافها وفضحها. ولعل في التفاف المصريين حول باسم يوسف وبرنامجه الكوميدي العميق، ما يؤكد رغبة هذا الشعب في الاستمرار، وحبه للاستقرار.

 

Email