لماذا يفشل الإسلام السياسي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء اعتلاء الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر ليكشف عن فشل ذريع في منظومة الإسلام السياسي، وضعف عام في توجهاته المجتمعية والسياسية والاقتصادية. ولا يرجع ذلك لضعف في الإسلام كديانة كونية، نجحت في فترات تاريخية سابقة في فرض أطرها الإنسانية على مساحات واسعة من العالم وأعداد غفيرة من البشر.

وإنما يرجع لضعف شديد واهتراء في رؤى وتصورات الداعين إلى الإسلام السياسي، كأحد المشروعات الجديدة من أجل بناء أمة إسلامية معاصرة تستعيد أمجاد الأسلاف الأوائل، على حد تعبير منظري هذا التوجه والداعين له. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تفشل مشاريع الإسلام السياسي دائما؟ ولماذا لا تحقق ما تدعيه من أطر لتقدم المجتمع وتحديثه؟

في هذا السياق، يمكن أن تمثل تجربة الإخوان المسلمين - ومثلها تجربة حزب النهضة التونسي - مثالا واضحا، يساعدنا على معرفة أسباب فشل الإسلام السياسي في حكم الشعوب، ناهيك عن تقدمها وتطورها.

وهنا لا بد أيضا من الفصل التحليلي بين المشروع التحديثي التركي وبين الإسلام السياسي؛ فبغض النظر عن التوجهات الدينية للدولة التركية، فإنها توجهات ارتبطت بالرغبة في بعث هوية تركية جديدة، وسط سياق أوروبي بالغ التقدم، وهو ما استفادت منه تركيا تعليميا واقتصاديا وسياسيا. فلم تكن تلك التوجهات قيدا على الشعب التركي، بقدر ما كانت محاولة للبحث عن خلاص جديد، يضمن لتركيا مكانتها وسط سياق بالغ الحداثة والتطور.

وعلى العكس من التجرية التركية، فإن الإسلام السياسي يتسم بالفشل لأسباب عديدة، يأتي في الصدر منها عدم وضوح مشروعه وعلاقته بالواقع المعاش. فمن خلال ممارسات الإخوان المسلمين في مصر خلال الفترة الماضية، تجمع معظم الآراء على عدم وضوح مشروعهم السياسي، واشتماله على أمور لا تمت بصلة لمشكلات الدولة الحديثة والتعقيدات المرتبطة بها.

فقد اتضح أن الانغماس في الدين، سواء كان عن فهم صحيح أو خاطئ، خلق لدى أفراد الجماعة توجهات ماضوية نصية، لا ترتبط مع الواقع الحالي بصلة. ولعل ما يدهش المصريين الآن هو الحالة بالغة السوء التي وجدوا عليها إدارة الإخوان لشؤون الدولة المصرية، والتوقعات المتشائمة المرتبطة باحتمال سقوطها في حبائل الانهيار الاقتصادي، بالمعنى الحرفي للكلمة.

فالذين انتخبوا الرئيس محمد مرسي، كانوا يتصورون أن الإخوان الذين نجحوا في العمل الخيري على مستوى القاعدة الشعبية، يمكنهم أن يقودوا مصر ومؤسساتها المختلفة. لكن الواقع الفعلي أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك فرقا كبيرا بين أن تعمل في جمعية خيرية محدودة، وبين أن تعمل من أجل دولة بكامل هيئاتها ومؤسساتها وشرائحها الاجتماعية المختلفة.

لا يعود ضعف الممارسات السياسية إلى قلة خبرة فقط، بقدر ما يعود أيضا إلى رؤية مشوهة ومبتورة للعالم، تجعل من التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي مسائل ثانوية بجانب المشروع الديني والأخلاقي المجتمعي، وهو أمر غير صحيح بالمرة. فالتقدم على كافة جوانب المجتمع، يرفع من شأن الدين والأخلاق وأحوال العباد، وهى مسألة لا تستوعبها تيارات الإسلام السياسي بشكل عام، وجماعة الإخوان بشكل خاص.

وترتبط بذلك مسائل نفسية تتعلق بالتعالي على خلق الله، وتصور أننا الأحسن والأفضل والأكثر خلقا... إلخ من أفعال التفضيل التي تلصقها الجماعة بنفسها، وهي مسألة تثبت الأيام أنها بالغة الخطأ، وتشتمل على قدر كبير من الكذب والادعاء.

فما حدث في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، من هيمنة إخوانية من خلال الضبطية القانونية، واستدعاءات النائب العام الإخواني، والرغبة الإخوانية المحمومة في تفكيك الدولة، تثبت أن الإسلام السياسي هو في النهاية مشروع هدم لا بناء، ومشروع هيمنة لا شراكة، ومشروع كذب لا صدق، ومشروع دماء لا مشروع سلام.

حينما يتم استخدام الدين من أجل السياسة، تتراجع منزلته وينفرط عقد المؤمنين، ويشتبكون يوميا في مشاجرات وعراك وسفك للدماء. أما حينما يكون الدين دعوة من أجل الحب والسلام وإعلاء كلمة الله، فإنه يكون باباً من أجل التسامح والمحبة والارتقاء، باباً يهذب السياسة والممارسات المرتبطة بها، باباً لتبادل السلطة وشؤون الحكم وعدم قصرها عنوة على فصيل دون غيره.

وهنا بالذات يبدو أن الإخوان، بعد أن شعروا بفقدانهم مساحة كبيرة من الشعب المصري، وبعد أن شعروا بانكشاف مخططاتهم الهادفة لتفكيك الدولة المصرية التي لا يدركون قيمتها وأهميتها، فإنهم يحاولون الالتفاف على الدولة والنيل منها ومن مقدراتها، رغبة منهم في الاستئثار بالحكم والهمينة عليه، سواء من خلال التزوير أو التهديد أو سفك الدماء.

وما حدث أمام الاتحادية أو ما يتم الآن من استجوابات للإعلاميين المصريين، يكشف بدرجة أو بأخرى عن خطر الإسلام السياسي، وعن ضبابية رؤيته، واستبداده، واستحالة أن يمثل مشروعاً للبشر، مشروعاً للحياة!

 

Email