الحوار هو الحل في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقترب الأزمة السورية من إكمال عامها الثاني، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى وجود حل لها في المستقبل القريب. دعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال زيارته لموسكو الأسبوع الماضي، التي أعلن فيها أن دمشق مستعدة لإجراءِ حوارٍ مع كلِ من يريدُ الحوار، بمن فيهم من يحمل السلاح، من الممكن أن يكون تطوراً إيجابياً واضحاً في مسار الأزمة السورية، إذا ما كانت تلك الدعوة صادقة. المعارضة السورية المنقسمة على نفسها، انقسمت حول هذه الدعوة بين الرافض لها والمتحفظ عليها.

قراءتنا السياسية للوضع في سوريا، تجعلنا نعتقد أن دعوة المعلم يجب أن يتم استثمارها من كل الأطراف التي يهمها ما يجري في سوريا، وبالأخص المعارضة السورية. تعقيدات الوضع السوري اليوم تجعلنا نقتنع بأن الحل الوحيد الضامن لوحدة سوريا واستقرار المنطقة، هو بالحل السياسي للوضع السوري. وكل من يقول غير ذلك لا تحركه إلا مصالحه الخاصة، وليست المصلحة السورية ولا المصلحة العربية.

نعم، نحن مع ذهاب النظام السياسي السوري، ولكننا لسنا مع انهيار سوريا. استمرار الوضع الراهن كفيلٌ بزيادة الوضع المأساوي للشعب السوري، وزيادة الضغط على الدول العربية المجاورة التي أصبحت غير قادرة على التعامل مع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يتدفقون عليها بشكل مستمر، وكفيلٌ أيضاً برفع وتيرة المواجهة العسكرية بين الطرفين، بحيث تزداد شعبية الحركات الجهادية والتنظيمات الإرهابية في سوريا.

مما يحدث أرضية جديدة لها تُضاف إلى المناطق الأخرى، مثل أفغانستان واليمن والعراق وشمال وغرب إفريقيا، الأمر الذي يفرض ضغوطاً كبيرة على الدول العربية والإسلامية، في مواجهة خطر انتشار فكر مثل تلك الجماعات والتنظيمات لدى جيل الشباب فيها.

الحرب في سوريا ما عادت صراعاً داخلياً بين نظام وشعبه، بل هي حرب دخلت من ضمنها الاستقطابات الدولية من قبل دول محورية ومركزية في النظام الدولي والإقليمي. فالوضع في سوريا ليس كالوضع في ليبيا التي واجه النظام السياسي من خلالها العالم منفرداً، فالنظام السوري مدعومٌ وبقوة من روسيا والصين وإيران والعراق، وهذه الدول تقدم الدعم السياسي والعسكري واللوجيستي للنظام السوري، وليس في الأوفق ما يشير إلى تغيير في توجهات تلك الدول تجاه دعم النظام السوري، الذي أصبحت إيران تنظر إليه على أنه بمثابة ولاية من الولايات الإيرانية التي لا يمكن أن تسمح بزوال نظامها الموالي لها.

المصلحة العربية تقتضي حلاً للأزمة السورية، قوامه عدم الانهيار الكامل للنظام السوري من جهة، وعدم انتصاره الكامل من جهة أخرى. فالانهيار الكامل سيؤدي إلى فلتان الوضع واستمرار البلاد في حرب أهليه طويلة، وانتصار النظام سيمثل تهديداً للدول العربية التي وقفت مع الشعب السوري ضد النظام في فترة الصراع الدائر حالياً هناك.

لذلك نقول إن دعوة المعلم يجب أن تُستثمر من الدول العربية والمجتمع الدولي، لضمان تحقيق تلك المصلحة. النظام أصبح يدرك أنه أمام ضغوط دولية تتطلب منه المبادرة، لذلك جاء إعلان هذه المبادرة من موسكو، تعبيراً عن أنها قد تكون ضغطت على النظام السوري لتقديم مثل هذه المبادرة، أو على الأقل باركتها. ولكن المعارضة، للأسف، تعتقد أن تلك المبادرة هي مؤشر على ترهل النظام وقرب سقوطه، وبالتالي تقول لماذا يجب أن أجلس مع نظام آيل للسقوط؟ وهذه هي الإشكالية التي تجعل المعارضة تُفوتُ على نفسها فرصة حل الأزمة وفقاً للمصلحة السورية.

ما يهمنا ليس النظام السوري، ولكن ما يهمنا هو السبعون ألف إنسان الذين أزهقت أرواحهم من دون وجه حق، ومئات الآلاف من الناس الذين جُرحوا وتعوقوا، ومئات الآلاف غيرهم الذين شُردوا من ديارهم. ماذا ننتظر حتى نقول إنه حان الوقت لحل الأزمة سلمياً؟ هل ننتظر حتى يصل عدد القتلى نصف مليون كما حدث في رواند؟! أم حتى يصل العدد إلى مليون كما حدث في الحرب بين العراق وإيران؟!

نعم، المعارضة على حق عندما تقول إنها تود الحصول على ضمانات من النظام السياسي على جدية دعوته، وهذه هي الفرصة التي يمكن للمعارضة أن تدخل من خلالها على الخط الروسي لتجذب موسكو إلى لعب دور الضامن مع الدول الكبرى في النظام الدولي، لجدية النظام السياسي السوري والتزامه بالحوار، الذي يؤدي إلى الانتقال السلمي وغير المفاجئ لسوريا إلى مرحلة ما بعد الأسد.

وفي حالة عدم التزام النظام بالحوار الجدي، يستطيع المجتمع الدولي عندها التحرك بطريقة تجعل روسيا غير قادرة سوى على دعم المساعي الدولية لفرض واقع معين على النظام السوري. السياسة ليست أبيض وأسود، بل بين هذين اللونين هناك الكثير من الألوان التي يمكن أن تُستخدم، وهذه فرصة المعارضة لاستثمار هذه الدعوة بشكل إيجابي.

والنظر في إمكانية أن تفتح هذه الدعوة صفحة جديدة لسوريا. وعليهم أن يسترشدوا بأفضل الخلق عليه السلام، عندما قال لكفار قريش الذين قتلوا المسلمين وعذبوهم وخانوهم: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء"، لم يقلها لمجرد الرحمة المطلقة، بل قالها كذلك رغبة في بدء بناء دولة جديدة.

فإذا ما أرادو بناء سوريا جديدة، فهذه فرصة لربما تنجح كما نجحت الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما نجحت جنوب إفريقيا في الوقت الراهن التي أسسها نيلسون مانديلا على مبدأ التسامح، عندما ذكر أن أبرز تحدٍّ واجهه بعد خروجه من السجن الذي مكث فيه 27 سنة، هو أن قطاعاً واسعاً من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق.

لكنه وقف ضد ذلك وكان التسامح هو الخيار الأمثل، حيث جلس المعتدي والمعتدى عليه، وتصارحا وسامح كل منهما الآخر، وهي السياسة التي لولاها لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى حرب أهلية وإما إلى ديكتاتورية جديدة، إنها كما قال مانديلا "سياسة مُرَّة؛ لكنها ناجعة".

 

Email