من «الأخونة» إلى التوهان

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم مما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين في مصر من محاولات لأخونة الدولة والهيمنة على مفاصلها، فإن الواقع يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإخوان غير قادرين، بالمعنى الحرفي للكلمة، على تحقيق تلك الأخونة والانقضاض على الدولة المصرية العريقة.

وعموماً فإن أي تيار سياسي يحاول أن يفرض رؤاه وهيمنته المجتمعية، لا بد أن يمتلك تصورات استراتيجية واضحة، يمكنه من خلالها أن يشرعن ما يقوم به ويجعله في مصاف القبول المجتمعي العام.

إضافة إلى ذلك، فعلى هذا التيار أن يقدر على كسب حلفاء حقيقيين، مشهود لهم بالكفاءة والتقدير المجتمعي والقبول السياسي. كما أنه يجب أن يمتلك من الكفاءات البشرية ما يمكنه من تنفيذ استراتيجية العمل الخاصة به.

وفي سياق هذا التطبيق فإنه لا بد أن يكون قادراً على إنتاج الأفكار الجديدة والمبدعة، القادرة على مواجهة مفاجآت الواقع العديدة والمربكة في الوقت نفسه. بمعنى آخر؛ أن يتحلى بالمرونة السياسية القادرة على التعامل مع مستجدات الواقع وتحولاته المختلفة. فهل يمتلك «الإخوان» مثل هذه الأمور التي تجعلهم قادرين على أخونة الدولة، ناهيك عن قيادتها في المرحلة المقبلة والخروج بها من الوضع الكارثي الراهن إلى بر الأمان؟!

لم يستطع الإخوان حتى الآن البرهنة على امتلاكهم كوادر مبدعة، قادرة على التعامل مع الواقع المصري المتقلب في فترة ما بعد الثورة.

فالواقع يثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن القدرات الفكرية للجماعة محدودة بشكل كبير، وهو أمر ربما يرتبط بتاريخ الجماعة الذي لم يخرج في جوهره عن العمل الدعوي من ناحية، وتجنيد الأعضاء من ناحية أخرى.

وما دون ذلك لم تستطع الجماعة عبر تاريخها الطويل، أن تنتج مفكرين واعدين على المستوى السياسي والاجتماعي الأوسع نطاقاً من العمل الخيري.

فمن الملاحظات الجلية أن الجماعة ليس لديها المفكرون الذين يمتلكون قدرات تحليلية واسعة وعميقة، وحتى كتابات مُنشئ الجماعة، ومن بعده منظرها الشهير سيد قطب، لم تقدم حلولاً مجتمعية واعدة ومبتكرة، بقدر ما قدمت تصورات دينية كانت في أغلبها رافضة للمجتمع دون تقديم أطر جديدة متوافقة مع الواقع المعيش.

وإذا كان هذا حال القيادات الفكرية التاريخية للجماعة، فعلينا أن نتصور الحال الآن في ظل تاريخ طويل من الولاء من قبل الأعضاء، وانتفاء ثقافة الحوار والإبداع والاختلاف.

ولعل هذه المسألة تكشف عن أن حلفاء الجماعة بعد الثورة، تمثلوا في وقت من الأوقات في حزب النور السلفي الذي توترت علاقاته بالجماعة الآن، بعد دخوله في سلسلة متتابعة من الرفض لممارسات الجماعة، ويتمثلون الآن في الجماعة الإسلامية وغيرها من الجماعات الجهادية الأخرى، التي مارست العنف في مصر لعقود طويلة، والتي كشفت عن تأييد له في التظاهرة الأخيرة لهم، التي جاءت تحت عنوان لافت للنظر «نبذ العنف»!

إن تحالف الإخوان مع هذه النوعية من الجماعات، يكشف عن فقر شديد في رؤيتهم للأمور في مصر، كما يكشف عن نيات عنيفة لدى الإخوان نحو المجتمع والمخالفين لهم في المشارب والتوجهات. فمن يقبل التحالف مع جماعات مارست العنف الدموي وما زالت تحض عليه، يعني أنه لا يقبل بالحوار وليست لديه بدائل أخرى له، كما يعني استعداده لممارسة العنف ذاته والتحالف مع من يمارسونه، من أجل تحقيق أية مكاسب تضمن الاستئثار بالحكم والهيمنة على الدولة ومؤسساتها المختلفة.

إن هذه التحالفات المريبة تعني سوء قراءة من جانب الجماعة للواقع المصري، وضعف القدرة على تقديم بدائل مرنة أخرى، مثل التحالف مع التيارات الليبرالية المدنية، وخلق جبهة واسعة من التحالفات تقنع المواطن المصري العادي بقيمة ما تبذله الجماعة من أجل التهدئة والتصالح. لكن الواقع الفعلي يكشف عن جمود في الفكر وعجز عن تقديم آفاق جديدة، فمن غير المتصور تعامل الجماعة مع أية تيارات أخرى لا تتفق معها وتعارضها، كما أنه من غير المتصور القبول بحكومة توافق وطني تنقذ مصر من الإفلاس الاقتصادي بالمعنى الحرفي للكلمة.

تحيلنا ممارسات الجماعة لحالة «مَخْولة»، وفقاً للتعبير المصري الشائع الذي يعني حالة لخبطة وتوهان لا يعرف فيها المرء رأسه من قدميه. أغلب الظن أن مصر تعيش الآن تلك الحالة، التي أتوقع أنها غير مقصودة أيضاً من جانب الجماعة، بقدر ما هي ناتجة عن سوء التصرف وضعف الخيال وشلل الحراك السياسي لديها. وأخطر ما في هذه الوضعية التي أصابت مصر منذ اعتلاء الإخوان سدة الحكم، أنها تزيد كل يوم من حالة الفوضى التي يعيشها المصريون، كما توسع دائرة العنف بشكل غير مسبوق.

فهل يعي الإخوان حالة «المَخْولة» التي يعيشها المصريون الآن؟ سؤال تميل إجابته أكثر ما تكون للنفي، في ظل غياب عقل الجماعة وهيمنة دائرة العنف المجتمعي الشامل!

 

Email