خيارات دول الخليج مع إيران النووية

ت + ت - الحجم الطبيعي

صرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي بأن إيران أصبحت دولة نووية وأنه لا رجعة عن ذلك.

الرئيس الإيراني محق في كلامه، إيران هي دولة نووية من منطق المعرفة والممارسة العلمية والعملية من خلال وجود برنامج نووي نشط وفعّال يعمل دون هواده في مواقع نووية بعضها معلن عنه وبعضها قد يكون غير معلن.

فنحن لسنا أمام جدلية أن إيران نووية أم لا فهذا أمرٌ قد حسم، ولكننا أمام سؤال ماذا لو امتلكت إيران القنبلة النووية؟ معظم المعطيات الإستراتيجية تشير إلى أن إيران متجهة نحو امتلاك القنبلة النووية، شئنا أم لم نشأ.

فالتاريخ الحديث يعطينا شواهد بأن إيران ستصبح نووية عسكرياً، حيث إن الدول التي تنازلت عن فرصة تطوير السلاح النووي فعلت ذلك من نفسها وقناعة منها بأنه لا يوجد لمثل تلك الدول تهديدات مباشرة لأمنها أو لا يوجد عدو لا بد أن تواجهه أو تحد من خطورته بالسلاح النووي ولنا في المثل البرازيلي والجنوب الأفريقي أبرز مثال على ذلك.

أما الدول التي أصبحت نووية فعلت ذلك عن قناعة بوجود خطر لأمنها أو وجود عدو لها وهي بالتالي بحاجة إلى ردعه بقوة نووية عسكرية، وهذا هو حال جميع الدول النووية ابتداءً من الولايات المتحدة ووصولاً إلى كوريا الشمالية.

ولعل إيران تعيش الحالة ذاتها، حيث تنظر ان هناك عدواً يتربص بها وبنظامها السياسي وبالتالي لابد من ردعه أو تحييده بالسلاح النووي.

ولا يوجد ما يشير في الأفق إلى أن هذه المعادلة قد تختلف في أي وقت قريب، لذلك فإن امتلاك إيران القنبلة النووية هي مسألة وقت لا أكثر، إلا إذا قررت واشنطن الدخول في مغامرة عسكرية مع إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، أو إذا تمكنت واشنطن من إقناع القيادة الإيرانية بضرورة التخلي عن برنامجها النووي بشكل سياسي.

لعل ما يهمنا نحن في دول الخليج العربي هو معرفة أين تقع مصلحتنا من كل ذلك. بالطبع دول الخليج ليس من مصلحتها أن تصبح إيران نووية عسكرياً، لأن ذلك يفتح الباب أمام إيران لفرض هيمنتها بشكل أكبر على دول المنطقة العربية، ويفتح الباب أيضاً أمام سباق تسلح قد يصل إلى سباق نووي في منطقة جغرافية صغيرة الحجم ولا تتحمل تصاعد حالات التوتر.

هذا الأمر من شأنه أن يدخل المنطقة في دوامة ما يُعرفه علماء السياسة بمعضلة الأمن، وهو أن كل طرف يزيد من قدراته العسكرية بشكل كبير تصوراً منه بأن ذلك يؤدي إلى تحقيق الأمن، لكن مزيداً من التسلح يفتح المجال أمام إحداث حالات عدم استقرار وتصادم مسلح في نهاية المطاف.

إن مشكلة دول الخليج هي في كيفية وقف إيران من أن تصبح نووية عسكرياً. دول الخليج تدرك أنه ليس من صالحها توجيه ضربة عسكرية لإيران لأن في ذلك خطراً قد يهدد أمن واستقرار المنطقة من تداعيات تلك الضربة التي قد تتأثر هي مباشرة بها. وفي الأمر ذاته فهي ليست مع وجود صفقة أميركية - غربية مع إيران بشأن برنامج إيران النووي يعطي النظرة الإيرانية لأمن المنطقة الأفضلية على حساب النظرة الخليجية. فما الحل إذاً؟!

أمام دول الخليج مجموعة من الخيارات التي يمكن أن نوجزها بشكل مختصر في هذا المقام. الخيار الأول، تحقيق التوازن النووي مع إيران من خلال امتلاك قوة خليجية كبرى للقنبلة النووية، أو على أقل تقدير الترويج لفكرة إمكانية امتلاك دولة خليجية للقنبلة النووية في حال امتلاك إيران لها.

في ذلك فرصة لجعل إيران تفكر بشكل جدي في مدى جدوى السعي في امتلاك قنبلة نووية قد تؤدي إلى سعي خليجي حثيث نحو دعم وجود قنبلة نووية خليجية.

هذا الخيار بالطبع تعتريه العديد من العقبات منها مدى الرغبة الخليجية الفعلية في وجود قنبلة نووية في دولة بعينها دون أخرى، وكذلك الموقف الدولي لاسيما الأميركي القائم على رفض انتشار السلاح النووي.

لكن إيجابيات هذا الخيار هو أنه يستطيع خلق الاستقرار في المنطقة من خلال تحقيق التوازن العسكري النووي.

الخيار الثاني، الاعتماد الخليجي على المظلة النووية الغربية لاسيما الأميركية في الدفاع عن أمن المنطقة في حال امتلاك إيران القنبلة النووية. أي أن تصبح دول الخليج ككوريا الجنوبية واليابان في علاقتها مع الولايات المتحدة في مواجهة الخطر النووي الصيني والكوري الشمالي والروسي إلى حد ما. في هذا الخيار ضمان لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، ولكن قد يثير مخاوف البعض من مدى جدية استمرار واشنطن في تحمل تلك المسؤولية لوقت طويل، أو التخوف من أن تسعى الولايات المتحدة لفرض أجندتها بالقوة على الدول الخليجية متى ما أرادت.

الخيار الثالث، هو أنه من أجل تجنيب خطر الانفراد الأميركي في حماية أمن واستقرار المنطقة يمكن لدول الخليج الدخول في ترتيبات أمنية مع عدة قوى دولية يمكن أن تثق فيها بحيث لا تجعل الاعتماد قائماً على دولة واحدة بحد ذاتها؛ وهذا وإن كان يحفظ الأمن إلا أنه يجعل دول الخليج عرضة لتوجهات مثل تلك الدول.

أما الخيار الرابع فهو الانفتاح الخليجي على إيران بالحوار المباشر معها، بحيث تدخل دول الخليج في ترتيبات أمنية مشتركة مع طهران مقابل أن توقف إيران برنامجها النووي الساعي للحصول على القنبلة النووية. هذا أقل الخيارات كلفة إلا أنه لا يحمل ضماناً بأن إيران ستوقف برنامجها النووي في المجال العسكري.

الأمر الذي يجعلنا نصل إلى الخيار الأخير وهو أن تتعامل دول الخليج مع إيران كقوة نووية ليس من منطق توازن القوى بل من المنطق البرجماتي الذي يعتمد على الاستمرار في الترتيبات الأمنية مع القوى الكبرى، وقبول إيران نووية عسكرياً ولكن رفض سياساتها الداعية لفرض الهيمنة.

في هذا الخيار لن تتحمل دول الخليج فاتورة المواجهة مع إيران بل أن الولايات المتحدة والغرب ستعمل على رفع مستوى مواجهتها للسياسات الإيرانية في العالم ولا سيما في العالم العربي ومنطقة الخليج مما يصب في صالح دول الخليج العربي، حيث ستظل إيران تنظر للمنطقة الخليجية كمتنفس حيوي مهم لها في ظل تزايد الضغوط والعقوبات الدولية عليها، وهذا الخيار هو أكثر الخيارات عقلانية.

 

Email