هل للمرء أن يصدم أو يندهش من جراء المواقف العنصرية الصهيونية تجاه مصر والمصريين؟ وهل تلك المواقف وليدة مستجدات سياسية وعسكرية معاصرة أم أنها تراث "غير روحي" ضارب بجذوره في العقلية والشخصية اليهودية منذ آلاف السنوات؟
تساؤل مركب ومثير بدا من الواجب إعادة طرحه على الملأ، لا سيما في ضوء تصريحات غير عقلانية بشأن عودة يهود مصر إليها.
عبر موقع "كيكارها شابات" الديني اليهودي المتطرف، والذي يرعاه الحاخام الإسرائيلي "نير بن ارتسي"، كان المقال الأسبوعي للرجل ينفث سماً وكراهية تجاه مصر، ما يعكس الرغبات الكامنة المستقبلية، وربما الخطط التي ترتب بليل بهيم للمصريين.
يذهب "بن ارتسي" في تنبؤاته المزيفة، إلى أن الحرب الأهلية ستضرب جميع أنحاء مصر، وستتحول في غضون أشهر قليلة إلى صورة من سوريا.
هذا هو الجانب الأنثروبولوجي في الأمر، أي انقسام المصريين وتفكك وحدتهم المركزية المستقرة منذ آلاف السنين. أما على صعيد الطبيعة والجغرافيا، فالرجل الحاقد عينه يتوقع أن يفيض السد العالي عن آخره في أي لحظة ويغرق مصر كلها. وهي قراءات خبيثة، تتجاوز ما هو نبوي أو تنبئي إلى ما هو خطط وجرائم سوداء، راودت من قبل عتاة المتطرفين الصهاينة ولم يخفوا تفكيرهم في ضرب السد العالي من أجل إغراق مصر.
والشاهد أنه ما بين الحرب الأهلية لتي يتمناها "بن ارتسي" من قلبه، والسد العالي المنهار الذي خطط له الإسرائيليون من قبل، فإنه يؤكد كذلك في عنصرية دينية مقيتة، أن صلوات المصريين وابتهالاتهم لن تشفع لهم عند العزة الإلهية لإخراجهم من تلك الأزمات... لماذا؟ لأن مثل تلك الكوارث ستكون جزءاً من مشيئته تعالى وإرادته لهلاك المصريين.
ولا يختلف بن ارتسي في مشاعره وقراءاته البغيضة، عن عمومية الفكر اليهودي الذي يذهب إلى أن الرب من خلال الضربات ضد المصريين، كان يكرس فكرة "الشعب المختار" من جهة، ويعزز "قدرته على الانتقام من الأعداء" من جهة أخرى، وهو الأمر الذي ينكره وبشدة عالم النفس الأشهر اليهودي سيغموند فرويد في كتابه "اليهودية؛ موسى والتوحيد"، فيقول إن ادعاءات اليهود بالتمايز والقداسة إنما هي ضرب من ضروب الخرافة، ذلك أنها حالة لا نظير لها على الإطلاق في تاريخ العقائد الدينية.
منذ السادس من أكتوبر 1973، ورغم اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، تتجلى يوماً بعد يوم المكاسب الحقيقية لتلك الحرب، فبالإضافة إلى أنها كسرت أسطورة إسرائيل التي لا تهزم عسكرياً، فإنها قد هزت يقيناً ثابتاً لا يتزعزع بأن إسرائيل مكفولة إلهياً بالانتصار على أي من أعدائها إلى الأبد.
ومما لا شك فيه أن قضية مصر والمصريين في الفكر الإسرائيلي، سواء القديم أو المعاصر، في حاجة إلى أبحاث ومؤلفات بمفردها، وما هذه السطور إلا قبس من شعاع أردنا من خلاله أن نوضح كيف أضفى اليهود الصهاينة على تطلعاتهم وشهوات قلوبهم غير المشروعة، "قدسية إلهية" تستر ما يخفونه من تآمر وحقد دفين ضد الشعب المصري خاصة وشعوب العالم عامة، ولا يزال الفكر الصهيوني المغرق في عدائه للتاريخ والألوهية عند قاعدة ثابتة في الفكر الإسرائيلي المعاصر، ولمصر دائماً النصيب الأكبر من هذا الزيف وتلك الكراهية.
ولعل التساؤل المرير على الألسنة الذي نسيه أولئك الذين فكروا في إعادة اليهود إلى مصر، وهي دعوة عبثية تحمل ملامح من الخيانة والمؤامرة على حد سواء، هو أنه إذا كانت إسرائيل قد تخلصت في عام 2003، ولو على نحو نسبي، من نظام آخر وفتت دولة تذكرها بكبوتها التاريخية العظمى، أي العراق والسبي البابلي وانكسار روح إسرائيل داخلها حتى الساعة من جراء هذا الفكر الانهزامي الباقي في كتبها المقدسة والذي دام نحو خمسمائة عام، فلماذا نستبعد أن يكون قلب إسرائيل ـ وهو كذلك بالفعل ـ حتى الساعة يحمل ذات الضغائن لمصر والمصريين رغم معاهدة السلام القائمة بين الجانبين؟
لم تفاجئنا قراءات "بن ارتسي" العنصرية، فهناك كثيرون سبقوه في هذا الطريق المظلم، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب الإسرائيلي "اشير جنزبرغ" الذي كتب ذات مرة يقول "سيسود شعبنا كل الشعوب الأخرى لأن إسرائيل هي الأمة العليا التي تملك القدرة على التوسع وعلى أن تصبح سيدة العالم، وما خلقت الأمم الأخرى إلا لتخدم هذه النخبة المختارة".
من هنا يأتي فكر التمايز بين الشعب المختار على حد زعمهم، وبين الغوييم أو الأغيار، أي كل من ولد من أم غير يهودية، فهؤلاء قد خلقوا بعد أن هيأ الله لليهود السيادة والريادة، وما هؤلاء إلا الخدم والخدام.
هل يتنبه المصريون إلى شهوة قلب إسرائيل الحقيقية تجاه أرض الكنانة أم أنهم في غضبهم وثورتهم المستمرة وانقساماتهم المتصلة يوفرون للكارهين حطب المحرقة؟
إنها لحظة تاريخية فاصلة ولا شك، لا سيما وأن هناك من الطوابير الخامسة بين المصريين من لا يقل كارثية على مستقبل مصر عمن هم خارجها، وهذه هي الكارثة وليست الحادثة.