أميركا وحرب التعديلات الدستورية

أثارت حادثة إطلاق النار المروعة التي شهدتها مدينة نيوتاون في ولاية كونيتيكت، موجة نشاط من أجل تمرير تشريعات جديدة للسيطرة على السلاح، غير أن الحرب بشأن تقييد استخدام الأسلحة النارية ليست بين الليبراليين والمحافظين فحسب، ولكنها تحرض أيضا أول تعديلين للدستور الأميركي أحدهما على الآخر.

وكما يظهر فإن الحق في حرية التعبير وضمان امتلاك السلاح كانا، في التفكير التسلسلي الذي اعتمده جيمس ماديسون والآباء المؤسسون، أهم حريتين شخصيتين. ولكن يبدو أن هذين الحقين العزيزين يتعارضان الآن، وقد سببا جدالات مريرة بين مفسري الدستور الأميركي.

يعتقد كثير من الليبراليين أنه لا حاجة لامتلاك بنادق هجومية نصف آلية، أو مخازن بنادق تتسع لأكثر من 10 رصاصات، أو حتى مسدسات نصف آلية. وهم يجادلون بأن الصيادين والرياضيين لا يحتاجون لمثل هذه الأسلحة سريعة الإطلاق لقتل طرائدهم، وبأن المسدسات بطيئة الإطلاق والبنادق التي تعمل بالانزلاق أو الترباس، تكفي للحماية المنزلية.

ويكمن وراء الجدال الليبرالي لتشديد السيطرة على السلاح، اعتقاد بأن القدرة على إطلاق العديد من الرصاصات بسرعة، إما تخول، أو تشجع بالفعل، القاتلين الجماعيين على ذبح الأبرياء.

ويقدم معظم المحافظين تفنيدات لتلك النقاط كافة. فالمجرمون سينتهكون دائما أي قانون يختارونه تقريبا، وكونيتيكت، على سبيل المثال، من أكثر الولايات تشددا في ما يتعلق بقوانين السيطرة على السلاح. ويمكن لقاتل ما أن يستخدم ثلاثة مخازن سعة 10 رصاصات على التوالي، ويرش أهدافه بالفعالية ذاتها تقريبا التي يوفرها المخزن ذو الـ30 رصاصة.

وشأن السكين والقنبلة، فإن البندقية أداة، والإنسان الذي يسيء استخدامها هو المذنب الوحيد. ويمكن لحارس مدرسة مسلح، أن يساهم في وقف إطلاق نار جماعي في حرم المدرسة، أكثر مما قد يفعل قانون يحظر السلاح أو المخزن المفضل لدى مطلق النار.

وينبغي لأصحاب المنازل أن يكون لهم الحق في امتلاك أسلحة مماثلة لتلك التي يمتلكها المجرمون، الذين غالبا ما يحملون مسدسات نصف آلية غير قانونية.

وإذا كان القتل الجماعي هو مصدر القلق الحقيقي، فهل يجب حظر نترات الأمونيوم، بالنظر إلى أن تيموثي ماكفي قتل 168 بريئا في مدينة أوكلاهوما بالسماد؟

يمثل حظر الأسلحة نصف الآلية منحدرا زلقا، فكل قيد جديد سيؤدي سريعا إلى تسويغ آخر لملاحقة نوع آخر من السلاح.

ويرد الليبراليون بأنه كما يتم ضبط حرية التعبير (إذ لا يمكن قول: "حريق!" بصوت عال في قاعة مزدحمة)، فإن الحق الدستوري في حمل السلاح لم يعد ينتهكه حظر الأسلحة النارية نصف الآلية ذات المخازن الكبيرة، أكثر مما ينتهكه الحظر المفروض حاليا على الأسلحة الرشاشة الثقيلة.

ويجيب المحافظون بأن الهدف الرئيسي من التعديل الثاني للدستور الأميركي، لم يتمثل بالضرورة في مجرد ضمان الحماية الشخصية من المجرمين أو حرية الصيد بالأسلحة النارية، ولكن حقيقة في ضمان أن يتمتع شعب جيد التسليح ببعض التكافؤ مع حكومة مركزية قوية.

وبالنسبة للمؤسسين، فقد كانت فكرة تمتع المواطنين الأفراد بقدرة على استخدام السلاح مماثلة لتلك التي تتمتع بها السلطات الفيدرالية، تردع الحكومة عن التعدي على الحريات التي يحميها الدستور، وهي الحقوق التي لا يمكن للأوامر التنفيذية الرئاسية أن تسلبها.

ولعل ذلك هو السبب في أن التعديل الدستوري الثاني الموجز، يذكر صراحة الحاجة إلى ميليشيا. وقد أُردف ذلك التعديل، عمدا، بتعديل دستوري ثالث، يقيد حقوق حكومة مسيئة في إيواء جنود فيدراليين في منازل المواطنين. فما التعديل الذي ينبغي أن نبدأ بتقليمه للتعامل مع وحوش كوحشي نيوتاون وكولومبين؟

كان يعرف عن آدم لانزا، مطلق النار في كونيتيكت، أنه غير مستقر نفسيا، وكان يتسمر لساعات أمام ألعاب الفيديو العنيفة، في ظل ثقافة شعبية تتمثل في فوضى هوليوودية رخيصة، تتفجر فيها الأجساد على الشاشة الكبيرة، دون أدنى قلق بشأن تأثير مثل هذه المجازر غير المبررة على المشاهد.

وتماما كما تشكل الأسلحة نصف الآلية قفزة تكنولوجية من البنادق العتيقة المعروفة بـ"المصونة" العائدة لعصر الآباء المؤسسين، فإن تقطيع الأوصال في ألعاب الفيديو يبعد كل البعد عن توزيع المنشورات السياسية الحماسية في القرن الثامن عشر.

وإذا تحدثنا عن تقييد التعديل الثاني للدستور الأميركي لنحمي أنفسنا من الإنجازات التكنولوجية الحديثة، فلم لا نقيد التعديل الأول كذلك؟

ماذا عن أمر تنفيذي يلزم هوليوود بوقف تصويرها الغرافيكي لعمليات القتل الجماعي، وربما يحدد طبيعة وعدد عمليات إطلاق النار التي يمكن أن تظهر في الفيلم الواحد؟ ألا يمكننا أن نحظر ألعاب الفيديو العنيفة تماما كما نحظر التصوير الإباحي للأطفال؟ ألم يحن الوقت لأمر تنفيذي يقيد بعض حقوق غير المستقرين نفسيا، بالنظر إلى أن المسلحين في حوادث القتل الجماعي يكون لهم عادة تاريخ من الاضطرابات النفسية، وغالبا ما يتناولون عقاقير مبدلة للحالة المزاجية؟

وإذا كان المحافظون قد ضمنوا انتشار ملايين الأسلحة الهجومية نصف الآلية بين أبناء المجتمع الأميركي، فإن توسيع الليبراليين غير المسبوق لنطاق حرية التعبير، أفضى إلى انتشار الأميركيين المعتوهين الذين يتغذون على ألعاب مريضة مثل "غراند ثيفت أوتو"، وعلى ساعات من مشاهدة الأفلام البغيضة مثل فيلم "قتلة بالفطرة".

ويمكن لحظر الشر الكامن في عقول الرجال وقلوبهم بالتشريعات، أن يكون أمرا صعبا، وغير دستوري في بعض الأحيان.

الأكثر مشاركة