هل ستتخلى أميركا عن الخليج؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث البعض عن إمكانية خروج الولايات المتحدة من المنطقة الخليجية في غضون العشرين سنة المقبلة، مبررين حججهم بنتائج بعض التقارير الأميركية التي تقول إن الولايات المتحدة ستصبح مع سـياسة أوباما للاكتفاء الذاتي دولة مصدرة للنفط خلال العشرين سنة المقبلة.

أي أنهم يحاولون القول إن المصلحة الأميركية في منطقة الخليج ستنتفي مع اكتفاء الولايات المتحدة نفطياً، الأمر الذي سيؤدي إلى تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة الخليجية في وجهة نظرهم.

قد تكون مسألة الاكتفاء الأميركي في مجال حاجتها من النفط عملية واردة مع سياسة الرئيس أوباما في مجال الاستثمار في مجال الطاقة المتوفرة في الولايات المتحدة، لاسيما مع التوجه نحو استثمار النفط والغاز المتاح في المياه الأميركية، إلا أن القول إن ذلك سيؤدي إلى خروج الولايات المتحدة من المنطقة وابتعادها عن مسألة حماية أمن الخليج هو أمرٌ في وجهة نظرنا مبالغ فيه. الولايات المتحدة تنظر إلى هذه المنطقة نظرة إستراتيجية وليست نظرة تكتيكية.

فالنظرة الإستراتيجية طويلة المدى في حين أن النظرة التكتيكية فهي قصيرة المدى؛ وإن كانت واشنطن تربط مصلحتها بنفط المنطقة إلا أن هذا الربط يأخذ بعين الاعتبار أهمية النفط كمادة محركة للاقتصاد العالمي وليس فقط للاقتصاد الأميركي.

النظرة الإستراتيجية الأميركية تحركها مجموعة من المحددات الإستراتيجية الرئيسية المؤثرة على مصلحتها الوطنية.

النفط هو المحدد الإستراتيجي الأهم في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة الخليجية وذلك لاعتبارين رئيسيين: الأول هو أن أميركا مستورد للنفط الخليجي وبنسبة لا تقل عن 16٪ من إجمالي حجم وارداتها من النفط الأجنبي، لذلك فإن حاجتها من النفط تفرض عليها الاهتمام بالمنطقة حماية لمصلحتها تلك.

والثاني وهو أن الاقتصاد الأميركي يعتمد على الاقتصاد العالمي في ظل العولمة الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة، وأن النفط عنصر مهم جداً في ديمومة قوة الاقتصاد العالمي لاسيما لدول محورية فيه مثل الصين واليابان والبرازيل والهند وبالطبع للدول الأوروبية.

لذلك فإن عامل الحاجة النفطـية الحالية للولايات المتحدة يجعلها تتمسك بأمن المنطقة لضمان أمنها، ولكن عامل الحاجة النفطية المستمرة للاقتصاد العالمي يجعل واشنطن تتمسك بشكل أكبر بنفوذها ومكانتها في المنطقة الخليجية بهدف ضمان تدفق نفط المنطقة بسلاسة وسعر مقبول عالمياً.

إن الولايات المتحدة دولة عظمى وتعلم أن هناك دولاً تعمل على منافستها ومحاولة زحزحة أو التقليل من نفوذها حول العالم، لذلك لا يمكن لواشنطن أن تسمح بذلك.

عين واشنطن دائماً على الصين، فهذه الأخيرة تعتبرها واشنطن المنافس الحقيقي للولايات المتحدة في العالم، وبالتالي من الواجب عدم السماح لكل ما من شأنه أن يفتح المجال أمام الصين كي تخلق نفوذاً جديداً لها في النظام الدولي.

فحتى لو أصبحت الولايات المتحدة دولة مكتفية من حيث الطاقة إلا أنها لا يمكن أن تترك المنطقة الخليجية في فراغ تعلم جيداً بأن منافستها الأولى الصين ستسعى جاهدة إلى ملئه وبأسرع وقت ممكن، لاسيما وأن الصين دولة متعطشة للنفط الخارجي لسد رمق حاجتها المتزايدة منه والذي لا يمكن للصين أن تسده عبر الاعتماد على ذاتها.

إن معادلة الربح والخسارة هي التي تتحكم في فلسفة الدول الكبرى ولاسيما تلك الساعية للمنافسة على النفوذ والهيمنة والوصول أو البقاء في نادي الدول العظمى.

تعيش الولايات المتحدة في الوقت الراهن حالة حرب باردة مع الصين؛ وتدرك واشنطن أن بكين تسعى إلى توسيع نطاق نفوذها عبر العالم لاحتواء وتطويق النفوذ الأميركي، لذلك نجد واشنطن تعطي الصين أهمية قصوى في ترتيباتها الاستراتيجية أملاً في احتوائها والتقليل من نفوذها.

نفوذ الصين بالطبع متراجع في الوقت الراهن في المنطقة الخليجية نظراً لقوة النفوذ الأميركي، لكن تراجع النفوذ الأميركي لن يعني إلا دخول الصين في المنطقة، وهذا ما لا يمكن للمخطط الاستراتيجي الأميركي القبول به وهو ما أعلنت عنه خطط الأمن الوطني الإستراتيجية الأميركية منذ فترة من الزمن.

لذلك فإن الترويج لأفكار خروج الولايات المتحدة من المنطقة أمر مبالغ فيه في وجهة نظرنا بل ومستبعد وفقاً للمعطيات الإستراتيجية المحركة للسياسة الخارجية الأميركية.

 

Email