انتعاش المشاريع الدخيلة وغياب المشروع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تكاد توجد منطقة في عالم اليوم بحجم المنطقة العربية من حيث الحراك التغييري، ولا تكاد توجد منطقة تتصارع فيها مصالح الدول بقدر المنطقة العربية.

ففي هذه المنطقة تتنافس عدة مشاريع لتحقيق أهدافها، فهناك المشروع الأميركي الساعي للهيمنة على المنطقة لخدمة المصالح الأميركية، وهناك المشروع الإسرائيلي الساعي لتكريس الاحتلال والاستيطان، وهناك المشروع التركي الساعي لفرض نفوذه الاقتصادي والسياسي، وهناك المشروع الإيراني الساعي للسيطرة وخلق النفوذ السياسي والإيديولوجي له داخل المنطقة. كل هذه المشاريع تعمل ومنذ فترة طويلة من الزمن وبشكل حثيث، لتحقيق مصالحها، وإن تصادمت تلك المصالح.

لكن الغائب من تلك المعادلة هو المشروع العربي، الذي لم يستطع أن يتبلور في سياق رؤية عربية للتعامل مع الأوضاع الدولية والإقليمية، للصالح العربي. فمنذ سقوط المشروع القومي الناصري، لم يظهر مشروع عربي آخر قادر على تحقيق المصلحة العربية، في مواجهة المشاريع الأخرى التي تحمل مصالحها الخاصة.

فجميع تلك القوى المذكورة أعلاه، قد تبنت رؤية واضحة للتعامل مع العالم العربي، من منظور مصلحتها الوطنية. إلا أن العرب فشلوا بشكل ذريع في صياغة مشروع جماعي، يستطيع أن يواجه تلك المشاريع بشكل واضح.

ولعل المصلحة المشتركة لجميع تلك المشاريع الدخيلة على الوطن العربي، هي في عدم قدرة العرب على بلورة مشروع واحد قادر على مواجهة مشاريعهم التوسعية. وهذا واضح بشكل جلي في تقسيم العالم العربي إلى دول ممانعة ودول اعتدال، حيث إن دول الممانعة مضت مع المشروع الذي يسعى بعض الدول الإقليمية لفرضه على المنطقة، لذلك وجدنا سوريا والسودان، ومعها بعض القوى العربية الداخلية كحزب الله وحركة حماس، تسير في نطاق مشاريع بعض الدول الإقليمية، وتنفذ ما تسعى هذه المشاريع الدخيلة لتحقيقه في المنطقة العربية. أما عن دول الاعتدال فقد سعت مع المشروع الأميركي القاضي بالتطبيع مع إسرائيل، وضرورة مواجهة قوى إقليمية وأخرى محلية صاعدة في المنطقة العربية.

وبسبب هذا الانقسام العربي المفروض علينا من الخارج، لم تتمكن الدول العربية من بلورة مشروع عربي موحد، لمواجهة التغيرات والتطورات الجارية في المنطقة العربية. لذلك أصبحت المنطقة العربية ليست فقط منطقة تجاذب إقليمي، بل أيضاً منطقة استقطاب دولي، حيث تتنافس الدول الفاعلة لخدمة مصالحها، في ظل غياب المشروع العربي القادر على فرض أجندته في مواجهة ذلك التجاذب والاستقطاب.

ومما يزيد الطين بلة في الوطن العربي، هو بروز مشاريع فرعية في الآونة الأخيرة، نتيجة لنجاح الثورات الشعبية في بعض الدول العربية في الإطاحة بأنظمتها السياسية السابقة، كما هو الحال في مصر وتونس، وهي مشاريع لا تعبر عن الكل العربي، مثل المشروع الإخواني الذي يسعى من خلاله الحكام الجدد إلى تنفيذ رؤيتهم لمستقبل الحالة العربية، بل والإسلامية، من خلال القضاء على الأنظمة الحاكمة وإقامة أنظمة بديلة بقيادة الإخوان في كل الدول الإسلامية، وإنشاء الخلافة الإسلامية من أندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً.

هذا المشروع الفرعي وللأسف، هو مشروع إقصائي، يسعى من خلاله الإخوان إلى فرض هيمنتهم وسلطتهم على مفاصل الدولة في العالم العربي، وبالتالي لا يمكن أن نعتبره مشروعاً عربياً يمثل كل العرب، حيث إن نجاح أي مشروع يتطلب وحدة الهدف وإشراك الجميع في بلورته.

ولعل أنجح مشروع عربي قائم في المنطقة ومنذ فترة من الزمن، هو المشروع الخليجي الذي يؤمن بضرورة بناء الدولة والإنسان الخليجي، من خلال لعب الدولة لدورها الأساسي في توفير الأمن والاستقرار للمواطن، وضمان العدالة الاجتماعية للجميع.

إلا أن هذا المشروع لم يتمكن من بلورة قدرات تمكنه من صد موجة تأثير المشاريع الأخرى الدخيلة عليه من الدول الإقليمية، حيث ظل يعتمد على استغلال المشاريع الخارجية واستثمارها لصالحه، أو بمعنى آخر ما زال يعتمد على المشاريع الخارجية لخدمة مصالحه، لا سيما في تحقيق الأمن والاستقرار. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن هذا المشروع الخليجي من بسط سيطرته أو حتى تأثيره على الدول العربية الأخرى غير الخليجية، وذلك بسبب اختلاف طبيعة نظم الحكم في الدول الخليجية عنها في معظم الدول العربية الأخرى، حتى أصبح هذا المشروع الخليجي محارباً من المشاريع العربية الفرعية.

لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن مشروعاً عربياً يمكن أن ينشأ في المستقبل القريب، رغم الثورات الشعبية والحراك الشعبي في بعض الدول العربية. وعليه ستظل المشاريع الأخرى، أي المشاريع الدخيلة، تحقق هدفها في استثمار الأوضاع في العالم العربي لصالحها، مما لا يصب في خدمة الصالح العربي.

 

Email