شيء ما يجري في الكواليس الخلفية بين تل أبيب وواشنطن، يظهر خوفا لدى الأولى من الثانية.. ليس خوفا فقط، بل تآكلا بدرجة أو بأخرى لشكل وجوهر العلاقة. لماذا تكثر المقالات والدراسات التي تتحدث عن عمق التحالف الإسرائيلي الأمريكي مؤخرا؟ هل الأمر مقصود به التغطية على عطب ما أصاب محرك العلاقات الثنائية بين البلدين؟ قد يكون ذلك كذلك بالفعل، وليس أدل على أبعاد الأزمة المكبوتة، من مخاوف الإسرائيليين من الفريق الرئاسي الجديد، وخاصة وزيري الدفاع والخارجية المرشحين.
من يتابع الصحافة الإسرائيلية ومراكز الدراسات هناك، يرصد كيف أن خبر ترشيح السيناتور الأمريكي والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية جون كيري، لمنصب وزير خارجية أوباما في ولايته الثانية، قد أزعج إسرائيل.. لماذا؟
لأنه رغم صداقته لإسرائيل وزيارته لها عدة مرات ولقاءاته مع قادتها السياسيين والأمنيين، إلا أن لديه مواقف واضحة مناقضة للسياسة الإسرائيلية، وخاصة سياسات بنيامين نتانياهو، وفي مقدمتها سياسة التوسع الاستيطاني.
هل على نتانياهو، وهو المقبل على انتخابات جديدة داخل إسرائيل، أن يقلق من ترشح كيري؟ حتما عليه أن يفعل، لا سيما وأنه تعرض من قبل لهجوم من كيري اعتبر وقتها أنه "مصيدة وكمين"، ففي العام 2009 كان نتانياهو يزور واشنطن، وساعتها هاجم كيري بشدة وبشكل غير متوقع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. عطفا على ذلك، فإن كيري وبحسب "يديعوت أحرونوت" قد عمل من قبل على تعزيز علاقات واشنطن مع الرئيس السوري بشار الأسد، كما أنه قد اتهم من قبل بأنه تحدث مع حركة حماس.
من تخشى إسرائيل أيضا ضمن ترشيحات أوباما الجديدة؟
بلا شك يأتي خوفها من أن يجد السيناتور السابق تشاك هيغل طريقه إلى وزارة الدفاع، ليحل بها وزيرا عوضا عن ليون بانيتا.. لماذا هيغل خيار سيئ لتل أبيب؟
في نظر ساسة إسرائيل أن الرجل أبدى وطوال سنوات ولايته سيناتورا، مواقف معادية جدا لإسرائيل. فقبل ثلاث سنوات، على سبيل المثال، وقع على رسالة إلى الرئيس أوباما دعا فيها إلى إجراء محادثات مباشرة مع حماس، وقبلها ببضع سنوات صوت هيغل في مجلس الشيوخ معارضا لقانون العقوبات الأمريكي على ليبيا، وفي سنة 2008 صوت معارضا لفرض عقوبات على إيران.
ماذا يعني ذلك؟ عند المحللة "جنيفر روبين" المحافظة، أن مواقف هيغل معادية لإسرائيل ومعادية للعقوبات. وفي الوقت نفسه فإن تصريحات أخرى من دوائر يهودية في الولايات المتحدة، تتهم هيغل بمعاداة السامية.
يدفعنا حديث الترشيحات إلى سؤال مهم: ماذا وراءها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؟
باختصار غير مخل، تعكس فلسفة جديدة لأوباما مرادها معالجة الملفات الأمريكية العالقة حول العالم، بطريقة لا تتسبب في إلحاق المزيد من الأذى أو الضرر المالي أو الأخلاقي للأمريكيين. فاختيار كيري وهيغل، يؤكد أن اوباما يستعين برجال يفضلون سياسة الحوار والمفاوضات على لغة الحرب.
والثابت كذلك أن إسرائيل ـ نتانياهو على وجه خاص، كانت تفضل ألا يفوز أوباما بالرئاسة الثانية، وأن يحل مكانه "ميت رومني" المرشح الجمهوري، والذي ليس لأحاديث السلام والحوار دالة عليه.
من هنا يتضح للعامة والخاصة أن فلسفة إدارة أوباما الثانية، والتي في ضوئها سوف ترتسم في الآفاق سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، قد تتعارض مع شهوات قلب إسرائيل القتالة.
على سبيل المثال؛ تخشى إسرائيل من أن يكون أوباما، وعبر ذراعه الجديد للخارجية "جون كيري"، يسعى لأن يسجل سبقا حقيقيا في الشرق الأوسط، ليضع اسمه في سجل رؤساء أمريكا البارزين، عبر القفز مباشرة إلى القضية الفلسطينية...
يتساءل الإسرائيليون؛ هل ينوي كيري أن يترك بصماته في الخارجية عبر التأثير على ما يسمى "العملية السياسية" بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟
يرى دبلوماسي إسرائيلي في تصريحات لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن "مكانة كيري تسمح له بالعمل بحرية، فهو بالغ بما فيه الكفاية، وثري بما فيه الكفاية، وله مكانة محترمة في مجلس الشيوخ، والأهم أنه إذا قدر له ذلك سيدخل التاريخ".
تخشى إسرائيل من كيري لأن أوباما حتما من ورائه سيدفعه غير خجل أو وجل، فلا فرصة ثالثة في البيت الأبيض يخشى ضياعها، ولا نفوذ يهوديا داخل واشنطن يمكن أن يحرمه منها، ولا تبرعات لأثرياء ستفقد الطريق إليه.
حسنا.. إذا كان هذا الخوف من وزير الخارجية على هذا النحو، فكيف سيكون الحال مع هيغل صاحب الآلة العسكرية الأمريكية الجبارة، غير الصديق لإسرائيل؟
الهول الذي ينتظر إسرائيل هنا أشد وقعا، فهيغل الذي رفض فرض عقوبات على إيران، لن تكون له بداية تلك الصلات الحميمية بنظيره الإسرائيلي كائنا من كان، كما كانت بين إيهود باراك والوزير بانيتا.
كما أن حقيقة أن يكون محادث وزير الدفاع الإسرائيلي القادم هو تشاك هيغل، الذي تحفظ حينما كان يتولى عمله في مجلس الشيوخ على فكرة الهجوم العسكري على إيران إسرائيليا أو أمريكيا، تقلق موظفين إسرائيليين كبارا في مقدمتهم نتانياهو ولا شك، والذي بدوره تم وضعه من قبل أوباما في "حيرة وورطة" قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
هل سيعين أوباما بالفعل كيري وهيغل؟
إن فعلها، وقد فعل ذلك فعلا بالنسبة للأول، فإن العلاقة بين تل أبيب وواشنطن ستشهد سنوات أربع عجافاً للأولى، وإن لم يفعلها فسنقر ساعتها ونعترف بأن تل أبيب هي المتحكم في القرار الأمريكي فعلا وقولا، وهو اختيار صعب لأوباما في جميع الأحوال.