قمة المنامة وأمن الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيجتمع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يومي غدٍ وبعد غد، لعقد قمتهم الدورية الثالثة والثلاثين في العاصمة المنامة، وليس هناك أبرز من مملكة البحرين ليستشعر القادة الخليجيون بالخطر المحدق بأمن منطقتهم خلال الفترة المقبلة.

كُتب الكثير عن أمن الخليج والمنطقة ما زالت في عين العاصفة، فما أن تتجاوز المنطقة محنة حتى تتلقاها أخرى. أمن الخليج هذه المرة لا يأتي عبر تهديد العراق للكويت، أو تهديد إيران للبحرين، أو تهديد الأوضاع الداخلية نتيجة للخلل في التركيبة السكانية، بل إن الخطر اليوم أكبر من ذلك بكثير، لأنه يتمثل في تهديد أفكار دخيلة على المنطقة الخليجية، تعمل على ضرب أسس الدولة الخليجية القائمة على الفكر المحافظ الذي يحكم دول المنطقة منذ بروزها السياسي. ف

الفكر المحافظ استطاع خلال فترة وجيزة أن يحقق الاستقرار والتنمية لدول الخليج العربي بدرجات كبيرة، الأمر الذي يجعل إنهاء فكر ناجح غاية في الخطورة، حيث لا يمكن لأحد أن يضمن نجاح الفكر الجديد في تحقيق أفضل مما استطاع أن يحققه الفكر المحافظ على الساحة الخليجية.

الفكر المحافظ الخليجي القائم على احترام وحماية البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة الخليجية، أصبح اليوم عرضة للتهديد من أفكار دخيلة تسعى جميعها إلى إنهاء الفكر المحافظ القائم في المنطقة، ولا سيما الإطاحة بالبنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة الخليجية. إن هذا التهديد يأتي من ثلاثة أفكار رئيسية دخيلة على فكرنا المحافظ، وهي الفكر الليبرالي والفكر الإخواني والفكر الطائفي، حيث إنها جميعها تشترك في هدف السعي لضرب الفكر الخليجي المحافظ.

الفكر الليبرالي هو فكر غربي في النشأة، وجاء لإدخال مفاهيم جديدة بديلة عن مفاهيم النظام الإقطاعي الأوروبي، وهو يؤمن بالفردية والحرية والتوافق، من خلال الاهتمام بالفرد وإعطائه حريته السياسية والمدنية، وبالتالي فهو فكر يخالف الفكر المحافظ القائم في المنطقة الخليجية، والمرتكز على أسس أهمية الجماعة والنظام التقليدي القائم. فالثورات العربية في ظل ما يعرف بالربيع العربي.

جاءت لتطبيق مثل هذه الأفكار الليبرالية، في مواجهة الفكر المحافظ غير الناجح في الدول العربية غير الخليجية، ومدعومة بدول غربية ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية. ولعل وصولها إلى الدول الخليجية فيه إضرار بالفكر المحافظ، وبالتالي إضرار بمستقبل أمن واستقرار دول المنطقة.

إن الفكر الليبرالي قد يكون وصفة علاجية جيدة لفشل الدول في تحقيق التنمية، وبالتالي قد يكون ناجحاً لدول مثل مصر وليبيا وسوريا، ولكنه لا يمكن أن يكون كذلك لدول حققت درجات متقدمة من التنمية والحكم الرشيد تنافس الدول المتقدمة في ذلك، مثل الدول الخليجية.

هذا لا يعني أن الفكر الليبرالي ليس فيه من الإيجابيات ما يمكن أن يُستثمر في الدول الخليجية المحافظة، ولكن من المفترض أن لا يأتي الفكر الليبرالي على حساب تقويض الفكر المحافظ، لأن في ذلك تهديد لبنية الدولة الخليجية.

والفكر الإخواني هو أيضاً فكر آخر دخيل على المنطقة الخليجية، ويهدف إلى الإضرار بالفكر المحافظ القائم في المنطقة. فالإخوان المسلمون يحملون أجندة تغير الأنظمة السياسية في الدول الخليجية، كجزء من مشروعهم لإقامة خلافة إسلامية من أندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً. ولعل نجاحاتهم في الوصول إلى الحكم في دولة عربية رئيسية كمصر ودول أخرى كتونس والسودان وسعيهم للوصول إلى السلطة في سوريا، يجعل دول الخليج في مرمى النفوذ الإخواني.

وهناك الفكر الطائفي الذي يسعى إلى ضرب لحمة البنية الاجتماعية القائمة في دول منطقة الخليج العربي، من خلال زرع الفتن بين السني والشيعي، متحزمين بنجاحهم في خلق تلك الفتن في دول عربية عدة، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن.

على القمة الخليجية أن تُعير هذا التهديد لأمن الخليج من قبل الأفكار الدخيلة، أهمية قصوى وتتخذ بشأنه إجراءات مشتركة، حيث إن تهديد تلك الأفكار ليس لدولة خليجية دون غيرها، بل إن التهديد مشترك لجميع الدول الخليجية.

وبالتالي يتطلب الأمر قناعة خليجية من جميع الدول، بأن تلك الأخطار مصيرية وتمس أسس بنية الدولة الخليجية التي تشترك جميع الدول الخليجية من خلالها، وأن الوقوف معها ودعمها لن يصب في صالح الدول الخليجية، بل سيهددها من خلال تهديده للفكر المحافظ المحدد للعلاقة القائمة بين المواطن وقيادته، في ظل الفكر المحافظ السائد في الدولة الخليجية.

فيجب ألا نغتر بما يمكن أن نحققه في المدى القصير، بل علينا أن ندرك خطورة الوضع على المدى البعيد، وخطورة مثل تلك الأفكار الدخيلة على دولتنا الخليجية.

 

رئيس قسم العلوم السياسية جامعة الإمارات

Email