أزمة الإخوان المسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لم يتصور أحد حجم المشكلات الهائلة التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين، بعد السهولة التي استطاعت بها الوصول إلى السلطة. فالجماعة التي عانت عقوداً طويلة من القمع والتهميش، وجدت نفسها مطالبة فجأة بإدارة دولة معقدة ومتشعبة في حجم مصر، وهو أمر ليس هيناً على جماعة اعتادت العمل التحتي بأساليب خفية غير معلنة.

والواقع أن الجماعة واجهت بالفعل مراحل تاريخية بالغة الصعوبة، سواء خلال الحكم الملكي أو الجمهوري في مصر. وللمفارقة، فإن ما استطاعت الجماعة تحقيقه خلال مراحل مواجهة النظم لها، لم تستطع، حتى الآن على الأقل، تحقيقه وهي في سدة الحكم. ومن خلال مراجعة الممارسات السياسية للجماعة في مصر، يمكن القول بدرجة كبيرة من الثقة، إنها تواجه أزمات حقيقية يمكن تحديدها على النحو التالي:

ما زالت الجماعة، وبالتبعية الرئيس، تعاني من أزمة الخلط بين الديني والسياسي، وهي مسألة تظهر من خلال الاستخدام المفرط للمساجد وفتاوى الشيوخ، والدعوات التكفيرية التي طالت أي مخالف لرأي الجماعة، وبالتبعية لمؤسسة الرئاسة.

هذا الخلط يعيق بدرجة أو بأخرى الجماعة عن الخروج من ترهات العمل السري، القائم على الإخلاص المطلق للمرشد والإيمان التام بالجماعة، إلى العمل ضمن حدود دولة ذات مؤسسات وقوانين، تسهم في الإحساس بالأمن والأمان.

تخلق تلك الحالة نفوراً تاماً من أية تيارات سياسية أخرى، فهذه الحلقة الجماعية المغلقة المرتبطة بتصورات دينية غير منفتحة، وبتبعية مطلقة للمرشد، تقسم العالم بين نحن وهم، بين المؤمنين والكفار، بين الأطهار والأنجاس، بين مقيمي شرع الله وبين منتهكيه.. إلى آخر هذه الثنائيات الصارمة، التي لا تجعل أياً من أعضاء الجماعة، بمن فيهم الرئيس ذاته، يقبل أي اختلاف أو معارضة من التيارات السياسية الأخرى.

تتعقد المسألة أكثر حينما ينهزم الإخوان فكرياً من قبل التيارات السياسية الأخرى، وحينما تطالهم الحجج القانونية والأخلاقية بما يؤدي إلى الانتقال من العنف اللفظي إلى العنف المادي. ولعل الهجوم الوحشي من قبل أفراد الجماعة على معتصمي الاتحادية السلميين، يكشف حجم العنف الكامن بين أفرادها، وقبول مؤسسة الرئاسة به، وعدم إدانته.

هذا العنف هو عنف طبيعي لدى أفراد الجماعة، وليد صدامات طويلة من عنت النظم السياسية السابقة ضدهم، وهو أمر نتجت عنه أمور كثيرة يجب أن ينتبه إليها القائمون على شؤون الجماعة، أولها الحديث الدائم عن معاناة السجون والتشدق بالكفاح، ودفع الأثمان الغالية في سبيل ذلك.

وثانيها كراهيتهم للتيارات السياسية الأخرى، الليبرالية واليسارية على وجه الخصوص، لأنها تذكرهم دائماً بما قامت به هذه التيارات دفاعاً عن أعضاء الجماعة وهم خلف القضبان وتحت وطأة التعذيب.

 وثالثها أن هؤلاء الليبراليين واليساريين هم من بدأوا الثورة في مصر، وجاء بعدهم الإخوان وبعض التيارات الدينية الأخرى. المسألة هنا أقرب لحالة رفض نفسي، تزداد خطورة هذه الأيام بعد إصرار هذه التيارات على المواجهة والتغيير.

في ضوء ذلك، وبغض النظر عن رأينا في التيارات السياسية الأخرى في مصر والمشكلات المزمنة المرتبطة بها، يبدو أن تلك التيارات لديها تصورات سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة، على عكس الجماعة والسلفيين الذين يفتقدون هذه التصورات.

وعلى ذكر التصورات، تبدو أزمة الجماعة العميقة في عدم وجود خطة حقيقية للتعامل مع المجتمع، ومن ثم الإنسانية والعالم. فالتوجه الصارم الذي يقف عند الحلال والحرام، ولا يرى العالم إلا من منظور رجال الدين الذين عفا عليهم الزمن تماماً، المنشغلين بالعراك مع الإعلاميين والممثلات، والذين يقدمون مثالاً بالغ السوء يشوه روعة وبهاء وصفاء وبهجة الإسلام، لا يستطيع أن يقدم نموذجاً حقيقياً للتقدم والتغيير بما يساعد على لم شمل المجتمع والتأكيد على حرية أفراده.

لا يتم تعامل الجماعة، ومن ثم مؤسسة الرئاسة، مع هذه المعضلات بشفافية ووضوح، بقدر ما يتم من خلال المناورة والكذب وتلطيخ سمعة الآخرين. من كان يصدق أن يذهب الكذب بالجماعة وقياداتها، لأن تدعي أن شهداء الاتحادية هم من جماعة الإخوان المسلمين؟ أبسط قواعد الإنسانية تداس هنا، حينما تتم المتاجرة بجثث الضحايا رغبة في كسب عطف المصريين. ومن كان يصدق أن توجه الاتهامات لقيادات وشخصيات مصرية، مثل البرادعي وصباحي وعمرو موسى وأبو الغار وغيرهم الكثير، لمجرد العجز عن مواجهة الحوار بالحوار ومراعاة آداب الاختلاف؟!

أخيراً، وبغض النظر عما سوف ينجم عن الاستفتاء على الدستور، فإن مصر تواجه خطراً داهماً، يحيلها لأن تصبح مصرين. في كل بيت ومؤسسة ومدرسة وجامعة، وفي كل ميدان وشارع وحارة وزقاق، وفي كل وسائل الإعلام، وعبر المنتديات وصفحات الإنترنت، لا يوجد سوى الانقسام والفرقة والغضب والحدة، شاهداً للتاريخ عما أنجزته جماعة الإخوان وغيرهم من المتاجرين بالدين.

لك الله يا مصر.. ويبقى لنا الانقسام.

 

Email