رئيس لكل المصريين..

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الإعلان الدستوري الجديد للرئيس مرسي، ليظهر العديد من الأمور الخطيرة والقاصمة لمصر ما بعد الثورة. وربما تأتي أهمية هذا الإعلان من كونه جاء كاشفا بشكل واضح لا لبس فيه، لعمق المخاطر التي تواجه مصر شعبا ودولة ورئاسة.

1 - كشف الإعلان بشكل واضح عن تخبط حاد في مؤسسة الرئاسة، وهو تخبط يعني ضعفا في الرؤى السياسية، ومحدودية كبيرة في فهم المشهد المصري الحالي والانقسامات التي تتهدده.

2 - أن مؤسسة الرئاسة، وهي تعين المستشارين والمساعدين المختلفين، لم تكن تستهدف الاستفادة منهم ومن خبراتهم، بقدر ما كانت تستهدف تخدير الرأي العام بممارسات ديكورية لا تعكس رغبة حقيقية في الاستفادة من التنوع والخبرات المختلفة، ناهيك عن الأخذ بها.

3 - أن هذه المؤسسة قسمت مصر بهذا الإعلان، بشكل غير مسبوق، منذ تفجر ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبدا واضحا أنها تستهدف خدمة التيارات الدينية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بعيدا عن التيارات المدنية الأخرى التي تشكل نسبة كبيرة من أبناء الشعب المصري.

4 - هذه الحالة المخيفة من العمل في خدمة طرف على حساب طرف آخر، ارتبطت بارتفاع وتيرة الاتهامات الهائلة التي يكيلها رجال الدين لكافة الأطراف المدنية الأخرى، بما فيها قيادات وطنية رفيعة المستوى مثل الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي.

5 - ارتبط بذلك أيضا ارتفاع وتيرة العنف بين الفصائل المدنية وجماعة الإخوان المسلمين، وهو عنف امتدت ممارساته إلى العديد من محافظات مصر، ونجم عنه حرق بعض مقار الإخوان المسلمين، والاعتداء على بعض رموز العمل الثوري في مصر.

6 - إن حالة الاحتراب الهائلة التي يشهدها المجتمع المصري الآن، والتي تحاول مؤسسة الرئاسة وحكومة قنديل التقليل من شأنها، ارتبطت بتكلس وجمود حادين في التعبير عن الرأي، بحيث لم يعد يجدي معها حوار أو نقاش. وهي مسألة تظهر بشكل واضح في الوقوف إما مع أو ضد الإعلان الدستوري الأخير، بشكل لا يعكس أي رغبة في القبول بأية حلول وسطية، بقدر ما ينعكس في أمر واحد يتعلق برفض الإعلان أو القبول به.

7 - يرتبط بما سبق، عدم ظهور بارقة أمل في حل الوضع الآني، خصوصا بعد البيان الهزيل لنتائج اجتماع الرئيس مع المجلس الأعلى للقضاء، وعدم رغبة الرئاسة في التراجع عن رأيها، من أجل تهدئة الرأي العام وتجنب المزيد من إشعال الأزمة الراهنة.

8 - تبدو التيارات الدينية وسط هذا الأمر، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بدون رؤية حقيقية لتغيير المجتمع وتطويره بناء على قواعد ثورية ديمقراطية. فوسط هذه الأزمة الطاحنة التي تهدد بنيان المجتمع وأسسه الشاملة، تبدو تلك التيارات غير واعية بالمخاطر الراهنة، ويبدو أنها ما زالت تفكر بعقلية الحشد والقوة والأفكار القديمة التي عفا عليها الزمن.

9 - يبدو أن مؤسسة الرئاسة ليس لديها مشروع فعلي لقيادة مصر، وأن ما كان يروج له الإخوان عن مشروع النهضة، محض هراء، وأن عقلية العمل الخيري الضيقة التي تعوّد عليها الإخوان، لا يمكنها أن تدير دولة بحجم مصر، وهي مسألة تستدعي من مؤسسة الرئاسة الخروج من تصوراتها الإخوانية الضيقة، والعمل على الاستفادة من جموع خبرات الشعب المصري من أجل تنمية حقيقية وفعلية.

10 - ترتبط بذلك أهمية الخروج من تلك النظرة الدينية الضيقة، التي تصنف المصريين وفقا لمعتقداتهم الدينية ودرجة تدينهم. فقد أثبت العديد من رجال الدين الذين يؤيدون جماعة الإخوان المسلمين، ضيق أفقهم، وقلة تسامحهم، وكالوا الاتهامات للجميع؛ ممثلين ورجال إعلام وصحفيين وكتاب ومثقفين وقوى مدنية مختلفة، دون أن يقدموا حلولا فعلية للتنمية والتطور.

11 - لا يبدو أن ثمة أملا في الخروج من المأزق المصري الراهن، إلا من خلال مؤسسة الرئاسة، شريطة أن تعي جيدا أنها مؤسسة كل المصريين وليست مؤسسة فصيل بعينه. إن هذا التصور سوف يمنح الرئيس قدرات جديدة للتعامل مع كافة أطياف المجتمع المصري بعيدا عن سيطرة فصيل بعينه، وهو أمر سوف يدعمه أكثر مما يضعفه. وهذا التصور رهن بأن يعي الرئيس تماما أن هناك ملايين من المصريين لا ينتمون لجماعته، منحوه أصواتهم رغبة منهم في عدم العودة لمرشح مبارك.

فهل يثبت الرئيس أنه رئيس لكل المصريين، أم أنه لن يستطيع الخروج من خندق الانتماء لجماعة متحجرة يحكمها رجال باسم الدين؟! سؤال سوف ننتظر الإجابة عليه في الأيام القادمة، داعين الله أن يمن على مؤسسة الرئاسة بالانفتاح والتحرر من ربقة الجماعة ومن يناصرونها من جماعات الإسلام السياسي الأخرى.

 

Email