«الإخوان» ودرس السادات

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف عن السادات أنه كان صاحب الفضل الأول في إطلاق سراح السجناء السياسيين المحسوبين على جماعات الإخوان المسلمين، وغيرهم من الجماعات الأخرى. ولم تكن تلك الممارسات ابتغاء لوجه الله والحريات الإنسانية والرغبة في التغيير، بقدر ما كانت تخفي أهواء سياسية تتعلق بالنيل من التيار اليساري والناصري، الذي كان يذكّر السادات بعبد الناصر وعصره.

وأذكر، وأنا في سنوات الجامعة الأولى، أن هذه الجماعات قد انتشرت في الجامعات المصرية بشكل كبير، ومارست أفكارها العنيفة ودخلت في معارك كثيرة مع غيرها من التيارات الفكرية والكتل المجتمعية الأخرى. والغريب في الأمر أن قادة تلك الجماعات لم يختلفوا فكريا عن أحفادهم.

فما زلت أذكر إحدى ندوات أحد هؤلاء القادة في ذلك الوقت، وهو يصول ويجول نقدا وسبا في المجتمع الكافر، وسط مؤيديه الصامتين صمتا مطبقا، مذكرا إياي بشيوخ هذه الأيام الذين اكتسبوا قداسة لا يستحقها سوى الله سبحانه وتعالى!

لكن الذي حدث بعد ذلك أن السحر انقلب على الساحر، واغتالت إحدى هذه الجماعات الدينية السادات نفسه، وتسببت في الكثير من العمليات الإرهابية في مصر طوال تسعينات القرن الماضي، قبل أن يستطيع نظام مبارك قمعها بممارساته الدموية المعروفة للجميع. والذي يحدث هذه الأيام تكرار كئيب وكالح ومخيف لما اقترفه السادات، الذي اعتقد أنه أذكى من الجميع، ولم يمتثل للنيات الصادقة في التغيير والمساواة السياسية بين المواطنين.

فالإخوان يعيدون الكرة مرة أخرى، مستخدمين هذه المرة الجماعات الدينية الأخرى، وعلى رأسها الجماعة الإسلامية المعروفة بدمويتها والسلفيون المعروفون بمحافظتهم البالغة وتعنتهم الفكري الديني. ولعل جمعة تطبيق الشريعة الأخيرة خير مثال على ذلك، حيث نأى الإخوان بأنفسهم ومعهم حزب النور عن تلك المظاهرات، وأطلقوا العنان للجماعة السلفية وغيرها من الجماعات الأخرى، لكي يتظاهروا من أجل تطبيق الشريعة، مطلقين شعارات تنذر بحمل السلاح وإراقة الدماء، وغيرها من الممارسات التي تتجه بمصر إلى حالة غير مسبوقة من التفكك والانهيار، بالمعنى الحقيقي الذي يقربها من مصطلح الدولة الفاشلة!

ما لا تدركه جماعة الإخوان هنا، هو أن تلك الجماعات ذات الأيديولوجيات الدينية لن تتفق هي ذاتها على معنى الشريعة، والمطلوب منها، بعيدا عن أطر الفهم الصحيح الذي كرسه رسولنا الكريم، القائم في جوهره الحقيقي على بساطة التواصل بين العبد والرب.

واحترام البشر بغض النظر عن الاختلاف معهم. والخطورة تتمثل هنا في أن تلك الجماعات الدينية، بما فيها جماعة الإخوان ذاتها، قد تشكلت من رحم نظم سياسية سابقة، اتسمت بالقمع والدموية والاستبداد، بما يعني أنها ذاتها لن تصبح ديمقراطية، أو على الأقل تقبل بمبدأ الشورى وما يرتبط به من تفاهمات ونقاشات وسجالات، تقوم على مبدأ الندية والمساواة وليس على أية استعلاءات دينية متوهمة.

هذه الجماعات الدينية المختلفة، وأزعم أن ذلك ينطبق بدرجة أو بأخرى على التيارات السياسية المدنية الأخرى في مصر، ما زالت تشتمل على ممارسات النظم القمعية السابقة، بل يمكن القول إنها استدمجت أسوأ ما فيها من استعلاء وقمع وقتل ودموية، وأهدرت مركزية الدولة وقيمتها، بل وتدعو من حيث لا تدري إلى تفكيكها وتدميرها.

إن ممارسات تلك الجماعات في مصر، ومنهم أفراد كثيرون مفرج عنهم في قضايا إرهابية حقيقية، تعني أننا أمام ممارسات دموية مقبلة أسوأ مما مارسه النظام السابق؛ فالنظام السابق كانت ممارساته تزداد دموية مع وتيرة ممارسات الجماعات الدينية، فقد كان يخشى بدرجة أو بأخرى من الاتهامات والتقارير الدولية والمحلية الخاصة بحقوق الإنسان، بغض النظر عن عدم إيمانه بها. أما الآن فنحن أمام جماعات لا تعي معنى الحياة الكونية والممارسات المرتبطة بها، بل إن البعض منها لا يرى أهمية للمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر من قبل، وقبلتها الجماعة الدولية.

لن تنطلي على أحد تلك الممارسات الساذجة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تدفع بالسلفيين وغيرهم من التيارات الدينية الأخرى إلى صدر المشهد، لتبدو هي داعية الاستقرار والهدوء في مصر. وحتى لو كانت هناك اتفاقيات خفية بين كل الجماعات الدينية في مصر، فإن هذا لا يعني دهاء سياسيا بقدر ما يعني ممارسات مدمرة، مثل تلك التي مارسها السادات منذ عقود عديدة منصرمة.

الواجب على جماعة الإخوان الآن أن تعي الدرس، وتقبل العمل السياسي بشفافية ووعي. فالنظم الحاكمة الصحيحة لا تحكم من أجل فصيل معين، ولا تدافع عن أيديولوجيات وحيدة، بقدر ما تعمل من أجل الجماعة الوطنية الكلية، ومن أجل تلاقح فكري حقيقي يشعر فيه الجميع بالأمان، وتنزوي فيه النعرات الدينية والعرقية وغيرها من الأيديولوجيات القمعية الأخرى.

 

Email