اليسار الأميركي والتعددية الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتاد اليسار الأميركي تصدر جهود الدفاع عن حرية التعبير. وكان يقال لنا عن حق - إن ثمن الشعور بالاشمئزاز من الأحاديث والفنون السوقية يستحق الدفع. فبتلك الطريقة وحدها استطاع الأميركيون أن يضمنوا حقنا اليومي في انتقاد كل من اعتبرناه مخطئا أو بغيضا من ذوي السلطة والنفوذ.

وحين أثار الكوميدي ليني بروس جمهوره في خمسينات القرن الماضي باستخدام عبارات فاحشة، هب الليبراليون لنصرته. وذكرونا بأن التفوه بكلمات بذيئة ليس جريمة، إذ أن التعديل الأول للدستور الأميركي لم يكن مصمما لحماية التعبير الاستنهاضي فحسب، وإنما أيضا لحماية العبارات التجديفية وغير اللائقة النادرة.

وبالنسبة لليبراليين، فإن حرق العلم في الحرم الجامعي، والتعري في مجلة "بنتهاوس" يمثلان قضيتين من قضايا التعديل الأول للدستور الأميركي.

غير أن نظرة اليسار للعالم تناقض نفسها. إذ يتمثل أحد مذاهبه المفضلة في التعددية الثقافية - أو الفكرة القائلة إنه لا يجب الحكم بصورة انتقادية على الثقافات غير الغربية وفقا لمعاييرنا الغربية المنحازة بطبيعتها.

ولا يحظى ختان الإناث أو جرائم الشرف في العالم الإسلامي باهتمامنا كما يحظى به حق المرأة في الحصول على أقراص إجهاض مجانية من رب عملها الكاثوليكي في الغرب. وحين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإننا لا ننتقد بقوة كافية التحيز الجنسي للمنطقة أو عنصريتها، ولا ندافع من دون أن نكون مؤهلين لذلك عن أفكارنا عن حرية التعبير باعتبارها متفوقة بطبيعتها على الرقابة المعتادة في الخارج.

وبذلت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما جهدا كبيرا لانتقاد، بل واعتقال، قبطي أميركي مصري الأصل لنشره مقاطع من فيلم يسيء للمسلمين عبر شبكة الإنترنت. وبعد اندلاع الشغب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وقتل السفير الأميركي في ليبيا، لم يرغب المسؤولون الأميركيون في الاعتراف بأن التشدد يعني كره الولايات المتحدة - حتى عندما يكون باراك أوباما هو الرئيس.

 ولم يريدوا الاعتراف أيضا بأن معاييرهم الأمنية المتراخية، لا مقاطع الفيلم، هي التي أفضت إلى عمليات القتل المروعة في ليبيا، أو بأن سياسة إعادة ضبط العلاقات التي يعتمدونها في الشرق الأوسط تعاني من الفوضى في عام الانتخابات.

ولم يستحق أي أميركي بغيض، على امتداد نصف القرن الماضي، لا لاري فلينت، ولا دانيال إلسبرغ، ولا حتى جوليان أسانج، أن تدان تصرفاته الغريبة من قبل الرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية ورئيس هيئة الأركان المشتركة بالدرجة التي استحقها قس غريب الأطوار في فلوريدا ومنتج أفلام قبطي يفتقر إلى الكفاءة.

وتظاهر الأميركيون العرب الغاضبون، أخيرا، في مدينة ديربورن بولاية ميتشيغان لصالح قوانين ضد التجديف. وطالبوا بوضع حد لأي تعبير يعتبرونه مسيئا من الناحية الدينية مبرهنين على أنهم لا يملكون أدنى فكرة عن السبب في أن كثيرين في مجتمعاتهم هجروا أوطانهم ليعيشوا في الولايات المتحدة في المقام الأول.

وعمد الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلى محاضرة الولايات المتحدة أخيرا بخصوص انحطاطها، وهو يريد فرض حظر عالمي على الإساءة إلى الإسلام. وهو، أيضا، نسي السبب في أنه في يوم من الأيام هرب إلى الولايات المتحدة لكي يتعلم ويعمل ويتحدث بحرية عن أشياء كان من شأنها أن تتسبب بقتله في بلده مصر.

وعمدت مهاجرة مصرية أخرى، وهي الناقدة منى الطحاوي التي غالبا ما تستضيفها محطتا "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي"، أخيرا، إلى طمس ملصق لمكافحة المتشددين لمجرد أنه لم يرق لها.

وفي عالمها، ليس هناك ما يمنعها من تشويه الممتلكات العامة في حال وجدتها، وفقا لمعاييرها الخاصة، مسيئة. وتجهل الطحاوي، شأن متظاهري ديربورن، حقيقة أن رقابتها الذاتية ستحول قريبا بلدها المتبنى إلى ذلك النوع من المجتمع المتشدد الذي فرت منه هي أيضا.

لقد حان الوقت لأن يصر المسؤولون الأميركيون على أن أعرافنا وقوانيننا تنطبق على الجميع، بصرف النظر عن جنسياتهم، أو أشكالهم، أو الغضب والخطر اللذين قد يثيرهما ذلك في الخارج.

ويمكن للمدارس أن تؤدي وظيفتها بشكل أفضل من خلال تقليص دروسها عن تعدد الثقافات، والعودة لتدريس الدستور الأميركي. وينبغي لجميع المهاجرين أن يجتازوا اختبارا أساسيا في "قانون الحقوق" ليحظوا بالجنسية الأميركية.

ولا يتمثل "قول الحقيقة للسلطة" في تلقي ساندرا فلوك للتصفيق الحار في مؤتمر الحزب الديمقراطي تأييدا لتوفير الحكومة لوسائل منع الحمل المجانية. ولكنه يتمثل، بدلا من ذلك، في تذكير مسؤولينا المنتخبين للمتشددين في الشرق الأوسط بأنهم لن يغيروا الدستور الأميركي ومن الأفضل لهم ألا يحاولوا فعل ذلك.

 

Email