المرشح الرئاسي غير المتوازن

في عام 2008، كان باراك أوباما "اللا دراما" أكثر مرشح رئاسي روعة شهدته أميركا في تاريخها، حيث جمع بين سمات الشباب وكونه ينتمي إلى نخبة "آيفي ليغ" وعذوبة الكلام مع اسم لحني وغريب. تنافس نجوم موسيقى الروك للغناء في تجمعات ضخمة له، حيث بدأ أوباما في كثير من الأحيان خطب الأمل والتغير، لتذكير الجمهور ذوي الدموع المنهمرة حيال ما يفعلونه في حالة حدوث إغماء شامل.

بدا المال، مثل المن من السماء، كأنه يسقط تلقائيا إلى خزائن حملته التي تكلفت مليار دولار. تم تحويل نجوم هوليوود إلى أناس شبه صامتين إزاء الحلم الذي وعد أوباما بتحقيقه، وهو السلام والوئام والازدهار و"5 ملايين وظيفة جديدة" في مجال الطاقة المتجددة وحدها.

بل إن الأوروبيين الساخرين، جن جنونهم بشأن ترشحه المناقض لأسلوب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وهو ترشح مزين بأعمدة يونانية مزيفة وشعارات رئاسية لاتينية. وانتشرت صور أوباما الملونة بألوان قوس قزح، مثل حشائش على مروج الضواحي الراقية في أميركا، وتغنت فرقة "الهيب هوب" بأفكار أوباما. كل أميركا، على ما يبدو، كانت تريد أن تثق في هذا الوافد الجديد غير المعروف إلى حد كبير.

وأعلنت وسائل الإعلام المترنحة عن أوباما كـ"مخلوق مقدس"، وأنه "أذكى رجل بأفضل نتائج في اختبارات الذكاء" لتولي الرئاسة. بطريقة أو بأخرى، دخلت السيقان في معبد البطل، في الوقت الذي أشاد النقاد بمشهد "البنطلون المجعد تماماً" لأوباما، وأعرب أحد المعلقين عن شعوره بـ"هذا التشويق يسري في ساقيه" عندما تحدث أوباما.

ولم لا، فقد خطب هذا المرشح الأميركي من أصل إفريقي بكلامه المعسول عن المدنية ورؤى أميركا ما بعد العنصرية، مغيراً خطابه من اللهجة العامية للمواطنين البيض من الضواحي، إلى ترانيم إنجيلية للسود الجنوبيين، حسب الحاجة، لجذب جماهير مختلفة على نطاق واسع.

وعد أوباما، وهو العضو الأكثر حزبية في مجلس الشيوخ الأميركي، بعهد جديد من العمل السياسي غير المنتمي لأي من الحزبين. وأعلن، بموجب صلاحياته تقريبا، نهاية الديون الكبيرة والفساد وجماعات الضغط والحروب، والسياسات الخارجية الأميركية التي لا تحظى بشعبية، والبروتوكولات غير القانونية لمكافحة الإرهاب.. كل شيء تقريبا سبق رئاسة باراك حسين أوباما.

وبعد أربع سنوات من الحكم، تبخرت الحشود الضخمة في الغالب. وهؤلاء الذين بقوا لا يغمى عليهم، والأعمدة محفوظة، والكلمة اللاتينية "فيرو بوسوموس" غير موجودة باللغة الإنجليزية.

وبدلا من الخطاب الملطف "لا ولايات حمراء ولا ولايات زرقاء"، فقد غرس أوباما جميع أنواع الانقسامات التي لا غنى عنها، على أمل تشكيل ائتلاف "نحن في مواجهتهم" الرقيق، وادعاء القمع الذي تتعرض له نسبة الـ99٪ على أيدي الـ1٪، بينما يفر المستقلون. فالشباب المهنيون العزاب، من المفترض أن يكونوا في حالة حرب مع البدائيين الجمهوريين. يجب على الخضر أن يواصلوا الهجوم ضد المحافظين المسببين للتلوث، الذين يناسبهم الماء والهواء الملوثان. فاللاتينيون يجب أن "يعاقبوا أعداءنا" في الانتخابات، ومبدأ "شعبي" للمدعي العام الأميركي إريك هولدر، من المقرر أن يوضع في مواجهة مبدأ "أمة من الجبناء". ومع جميع مزايا المنصب ووسائل الإعلام المذعنة، فلماذا اختزل أوباما نفسه في التنازل لحفظ حملته؟

إن اقتصاداً كئيباً، بطبيعة الحال، يفسر استياء الناخبين. وكذلك التفسيرات المتناقضة وغير المنطقية، بشأن عملية القتل الأخيرة للسفير الأميركي مع ثلاثة أميركيين آخرين في ليبيا. يثبت ميت رومني أيضا أنه قائد حملة انتخابية أفضل بكثير مما كان عليه منافسو أوباما، مثل هيلاري كلينتون وجون ماكين، فقد كانت أول مناظرة لأوباما كارثة.

لم يعد أوباما الأكثر دنيوية، يتحدث عن تبريد الكوكب أو خفض ارتفاع منسوب مياه البحار. حتى أنه مع منافسه ميت رومني في الانتخابات، ظل يتأرجح بين ما هو غث وسمين، في حملة تثير في صخبها الأيام الأخيرة اليائسة لشاغلي المنصب الفاشلين، مثل جيرالد فورد وجيمي كارتر وجورج بوش.

يشن أوباما هجوماً على رومني واصفاً إياه بأنه "ناطق بالهراء". وعندما لا يكون أوباما ضعيف الخبرة، فهو مراهق، يستند إلى "بيغ بيرد"، ويلعب ألعاب كلمات مثل "رومنسيا"، ويسخر من رومني على ملاحظاته في المناظرة.

ومع ذلك، فإن أكبر مشكلة تواجه أوباما ليست سجله المتواضع في الحكم فحسب، ولكن في التصور العام المتزايد بأنه لم يكن هادئا في حملة 2012 كما كان هادئاً في عام 2008. فلم يعد يشعر الناخبون بأنهم مترددون في التصويت ضد أوباما.

الموضوع المشترك في الحكايات الكلاسيكية الأميركية، مثل قصة "صانع المطر" و"إلمر غانتري" و"رجل الموسيقى" و"الساحر أوز"، هو الغضب الشعبي المنصب على شخصيات مثل "بييد بايبر" الذي سحر الجماهير بوعود العظمة.

الأشخاص المخدوعون نادرا ما يلقون باللائمة على سذاجتهم في غمار نشوة الأمل والتغير، ولكنهم بدلا من ذلك، بمجرد الاستفاقة يتحولون بالغضب على الدجال المنتظر المتجول، الذي يجعلهم يبدون في غاية الحماقة.

 

الأكثر مشاركة