مستشارو الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد موقعة الجمل الثانية والتراشق الحاد في ميدان التحرير بين المحسوبين على التيارات المدنية المختلفة والمحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، وما ارتبط بذلك من تبعات إقالة النائب العام، زاد الحديث عن دور مستشاري الرئيس مرسي فيما حدث، إلى الحد الذي وصل بأحد المحامين المعروف بدفاعه عن قضايا المعتقلين الإسلاميين إلى القول بأن هؤلاء المستشارين سوف يضيعون هيبة الرئيس. والواقع أن مسألة المستشارين هذه على قدر كبير من الأهمية والخطورة معا.

فهي مسألة مهمة لأن الرئيس لا يعرف كل شيء يدور حوله، كما أن لديه الكثير من المهام والأعباء والزيارات الأخرى التي يجب أن يباشرها بنفسه، كما أن هناك بالتأكيد بعض القضايا التي لا يفهم الرئيس كيفية التعامل معها ويحتاج إلى السؤال والمشورة، فقد انقضى الزمن الذي يفهم فيه الرئيس كل شي كما اعتدنا ذلك في عالمنا العربي الفريد، وكما يزين ذلك له المحيطون به.

كما أنها مسألة على قدر كبير من الخطورة حال اختيار الرئيس هؤلاء المستشارين من أهل الثقة الذين ينتمون لجماعته وعشيرته بدون أى رغبة منه في سماع المغايرين له في الرؤى والتطلعات والمشارب.

وهنا تكمن الطامة الكبرى حيث لا يسمع الرئيس إلا ما يحب أن يسمعه ويدغدغ مشاعره من عبارات المدح والإشادة.

ورغم تنوع مستشاري الرئيس مرسي فإن الواضح بدرجة أو بأخرى هيمنة المحسوبين على التيارات الدينية والمحافظة على هذا الاختيار. ورغم وجود بعض الكفاءات ضمن عناصر هذا الاختيار فإن الباقين لا يعبرون عن التنوع المصري ولا يكشفون عن كفاءات متميزة يُشار لها بالبنان والعمل السياسي والمجتمعي في مصر. بل إن البعض منهم لا يعدو وجها إعلاميا، أو شخصية محبوبة أوطيبة، أو أستاذا جامعيا محصورا بين أسوار الجامعة والمفاهيم والتصورات الضيقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

أقول هذا وفي ذهني واحد من مستشاري الرئيس جل إسهاماته هو الحديث عما يسميه "بالمدخل السفني" في التعامل مع المجتمع الإنساني والصراعات المرتبطة به.

وتتأسس كل تصورات هذا المدخل على حديث الرسول الكريم القائل "عن النعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَاعَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَل قَوْمٍ اسْتهَمُواعَلَى سَفِينةٍ فَأَصَاب بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسفَلَهَا فكَانَ الذِينَ في أَسْفَلِهَا إذَا اسْتَسْقَوْا مِنَ الَماءِ مَرواعَلَى مِنَ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَو أَنّنا اخَرَقْنَا في نصِيبنَا خَرْقاً وَلَمْ نؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فلو ترُكُوهُمْ وَما أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجوْا جَمِيعاً". والهدف من الحديث الكريم أن الجميع في مركب واحد يجب المحافظة عليه وإلا فإن المصير المتوقع هو الغرق.

فهل يكفي أن يتأسس مدخل علمي في العلوم السياسية المعاصرة بكافة التعقيدات الهائلة المرتبطة بها محليا وإقليميا وكونيا على هذا المدخل الذي يصول به صاحبنا ويجول في كافة المنتديات والمؤتمرات والندوات. والرسول عليه الصلاة والسلام هو القائل "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".

فعظمة الرسول تكمن في أنه ترك لنا زادا أخلاقيا هائلا وواسعا، وترك لنا مواجهة ما يستجد من أمور دنيانا وحياتنا وثقافاتنا المختلفة.

إن هذا المستوى التنظيري المتواضع ربما يكون صحيحا أو خاطئا على مستوى الممارسة الأكاديمية، لكن الخطورة هنا أن هذا التنظير يرتبط ببنية قيمية للباحث/المستشار لابد من تأثيرها عليه حينما يدلي بنصحه للرئيس في قضايا أخرى أكثر سخونة وحيوية لا تحتمل الخطأ أو الصواب.

ولا يقف الأمر فقط عند انعكاس الرؤى النظرية الضعيفة على النصائح الموجهة للرئيس لكنه يرتبط أيضا بالبواعث المرتبطة بها التي قد تصل في بعض الأحيان إلى النيل من التيارات الفكرية الأخرى مثل التيارات الليبرالية واليسارية خصوصا في ظل الجمود الفكري والعناد المرتبط بالكثيرين من المنتمين للمدخل السفني.

والمفارقة هنا أنه بينما يدعو الحديث النبوي الشريف للعمل الجمعي التوافقي فإن أتباع المدخل السفني هم أبعد ما يكونون عن تطبيقات هذا المدخل في تعاملاتهم مع التيارات الأخرى المخالفة لهم.

لقد سن الرئيس مرسي أسسا جديدة في العمل السياسي يأتي في الصدارة منها تشكيل مجلس رئاسي للنصح والمشورة، وهى خطوة تكشف عن رغبة في التغيير فيما يتعلق بالعمل الرئاسي وقيادة الدولة، لكن من الأهمية بمكان إجادة فن التنوع والتوافق في الاختيار والمصالحة الوطنية الشاملة. وهي مسألة يبدو أن الرئاسة المصرية لم تفلح فيها حتى الآن في ظل صراعاتها بين قيود الانتماء للجماعة المنغلقة على ذاتها ومدى القدرة على التحرر منها.

 

Email