التعليم للعلم أم التعليم للتنمية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك نهجان رئيسيان للغرض من التعليم، فإما أن يكون التعليم بهدف العلم، أو أن يكون التعليم بهدف التنمية. هذان أسلوبان تتجاذبهما تجارب عالمية مختلفة وناجحة. فالتعليم من أجل العلم هو أسلوب مشهور وناجح في العديد من الممارسات حول العالم، كممارسة التعليم في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؛ وهو أسلوب يستمد نجاحه من الممارسة الطويلة من التعلم في مثل تلك البلدان. ولعل النتاج الأبرز لمثل هذا التعليم، هو العدد الكبير من الفلاسفة والمفكرين والأدباء إلى جانب العلماء بالطبع.

أما التعليم مـن أجـل التنمية فهو أسلوب آخر مشهور وناجح أيضاً فـي العـديد مـن دول العـالم، ككوريا الجنوبية واليابان وألمانيا والصين وسنغافورة. وهو أسلوب قد لا يستمد قوته من الخبرة والممارسة الطويلة في التعليم، بل نجده أسلوباً حديثاً بدأت تلك الدول تتبناه للنهوض بتنميتها، ونجحت نجاحاً باهراً من خلاله. ولعل النتاج الأبـرز لمثل هذا التعليم، هو العدد الأكبر من العلماء والخبراء والتقنيين الذين يفوقون عدد الفلاسفة والمفكرين والأدباء. هاتان التجربتان تقدمان نهجين مختلفين للتعليم الذي يمكن لدول العالم أن تستفيد منه.

وإن كـان مثـل هـذا الحديث محـل إثارة خـلاف بين المهتمين بالتعليم، لا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أننا من دعاة التعليم بهدف التنمية. الإمارات دولة حديثة ولديها من الخطط والمشاريع التنمـوية ما هو طموح للغاية.

وبالتالي فإن تحقيق ذلك يتطـلب أن يكون تعليمنا متماشياً مع تلك الخطط والمشاريع ومساعداً لها، بحـيث تكون مخرجات التعليم تساعد في تحقيق الأيدي العاملة التي تحتاجها مثل تلك الخطط التنموية. فلا يمكن فصل التعليم عن التنمية، وإلا سنظل بعيدين كل البعد عن القدرة على مواجهة الخلل في التوازن القائم بين ضرورة تحقيق التنمية، وضرورة جعل تلك التنمية مستدامة.

فاستدامة التنمية، تتطلب من المؤسسات التعليمية أن تلعب دوراً في تخريج طلبة قادرين على أخذ زمام المبادرة في الانخراط وقيادة مشاريع خطط التنمية تلك. فنحن من دعاة أن تقود التنمية التعليم وليـس العكس، أي أن تأتي مؤسساتنا التعليمية لتفي باحتياجات برامج ومشاريع الخطط التنموية، وليس أن يحدد التعليم خطتنا التعليمية.

هذا لا يعني أن الأسلوب الأخير هو الأسلوب الخطأ، لكن نقول إن هذا الأسلوب يحتاج مزيداً من الوقت، ويحتاج إلى بيئة لا تتناسب مع بيئتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، حيث إنه كي ينجح فإنه يتطلب درجة عالية من الانفتاح في مثل تلك الجوانب. فمرحلة توجيه التعليم وتوجيه التنمية، عملية ضرورية لدولة الإمارات حديثة العهد والنشأة، والتي تعتمد على ثقافة محافظة في العديد من الجوانب.

فإذا احتاجت الولايات المتحدة لأكثر من مائة سنة لتصل إلى مثل هذا النظام التعليمي الناجح لديها، فإن دولة الإمارات لا يمكن أن تنتظر كل ذلك الوقت حتى تستطيع القول إنها وصلت إلى مستوى التعليم الأميركي. بينما على الجهة الأخرى، لدينا تجارب أخرى ناجحة لم تتطلب كل تلك السنين كي تبرز إبداعاتها التعليمية للعالم، كتجربة كوريا الجنوبية التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تلحق بالركب التعليمي العالمي.

وتتفوق على العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال. فكل ما كانت تحتاجه كوريا الجنوبية، هو أقل من ثلاثين سنة كي تصبح دولة رائدة. والفارق بين الممارستين هو أن الأولى، أي التجربة الأميركية، وضعت التعليم ليقود التنمية فأخذت هذا الوقت الطويل، أما عن التجربة الكورية الجنوبية فقد وضعت التنمية كي تقود التعليم، فاستطاعت أن تبدع بشكل مبهر وللغاية.. وهذا هو ما نحتاجه في دولة الإمارات.

ولعل المفارقة العجيبة التي من المفترض أن تفيدنا نحن في دولة الإمارات، هي أنه في عامي 1997 و1998 كانت الإمارات وكوريا الجنوبية تحتلان المراكز المتساوية في تقرير التنمية البشرية العالمية، عند نحو المركز الثاني والأربعين، أي أن مستوى التنمية البشرية عند البلدين كان متشابهاً لدرجة كبيرة.

لكن العجيب في الأمر هو أن الكوريين الجنوبيين استطاعوا خلال نحو ثلاث عشرة سنة منذ ذلك العام، أن يحققوا قفزة تنموية رهيبة في مجالات التنمية البشرية، أخذتهم من المركز الذي كانوا فيه معنا إلى المركز الخامس عشر في عام 2011، في الوقت الذي قفزت فيه دولة الإمارات قفزات جيدة، ولكنها ليست بحجم قفزات الكوريين الجنوبيين، فوصلت الإمارات إلى المركز الثلاثين في العام ذاته.

هذا الأمر يضعنا أقرب إلى تحقيق النجاح الأكبر في حالة دراستنا للتجربة الكورية الجنوبية وقياس ما نفعله بما يفعلونه هم، حتى نتمكن من الوصول إلى المراكز المتقدمة التي وصلت لها كوريا الجنوبية.

 

Email