الإدارة الأميركية والشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

خرج المتشددون، مؤخرا، إلى الشوارع، فقتلوا السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة من العاملين معه، وهوجمت السفارات الأميركية من مصر إلى اليمن.

وشدد كل من المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، اللذين شعرا بالحرج، على أن تلك الاعتداءات لم تكن سوى ردود على مقطع فيديو يفتقر للحساسية، يتم تداوله عبر شبكة الإنترنت. وفيما كانت السفارات تحترق، تمت طمأنتنا إلى أن العداء لم يكن موجها إلى أميركا بصفة عامة، أو إلى الإدارة الحالية وسياستها الخارجية على وجه الخصوص.

وذلك هراء. فقد كان مقطع الفيديو الذي بث على امتداد أسابيع مجرد ذريعة، على غرار الرسوم الدنماركية التي يستخدمها المتشددون لإثارة الجماهير في حربهم ضد الغرب. وقد تمت مزامنة التظاهرات في شوارع الشرق الأوسط منذ وقت طويل، مع الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر. ويبدو أن الإدارة الأميركية تركت مصعوقة، وبدون أدنى فكرة عن أحدث أشكال جنون الشرق الأوسط.

من هم بالتحديد، أولئك الذين كنا "نقودهم من الخلف" في ليبيا؟ لقد كان الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وحشا، ولكنه كان أيضا وحشا يخضع لنوع من إعادة التأهيل، ويسعى لتحسين العلاقات مع الغرب.

أما بالنسبة لسوريا، فقد وصفت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الرئيس السوري المستبد بشار الأسد بالمصلح.. ثم تحول إلى قاتل جماعي يتعين عليه التنحي.. ثم استدعينا كوفي عنان والأمم المتحدة ليمارسا دبلوماسية القوة الناعمة.. ثم هددنا بالتدخل.. وها نحن نتراجع الآن!

وكمرشح وكرئيس، افترض أوباما أن سياسته التي تعكس تعدد الثقافات، ومعرفته بالإسلام، وقصة اختلاط عرقه، وتنصله من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، كلها ستكسبه تأييد الشرق الأوسط. ومن المفترض أن كره الشرق الأوسط لأميركا، ذو صلة قوية باختلافات وجودية قديمة، لم تبدأ مع بوش ولن تنتهي مع أوباما. وقد أرسل أوباما، من خلال مقابلته مع قناة العربية.

وخطابه في القاهرة، ودبلوماسيته معادة الضبط والصاخبة، رسائل مختلطة، إذ أعطى انطباعا بأن غضب الشرق الأوسط كان إلى حد كبير، إما بفعل خطأ أميركا أو ناجما عن سوء فهم كان هو وحده القادر على التخفيف من حدته، في الوقت الذي نأى بنفسه عن الأمراض المفترضة، التي عانت منها السياسة الأميركية السابقة في المنطقة.

والآن، لم تعد لعملية صنع الأساطير تلك أي مصداقية، إلا أنها لاتزال تصعّب على الإدارة الأميركية الإقرار بأن الكراهية لأميركا في مصر عميقة الجذور وغير عقلانية، ولا ترتبط ارتباطا قويا بمقطع فيديو سخيف، إذ إن قاطني الشارع العربي يكرهون الغرب وأميركا، لأنهم يقال لهم يوميا:

 إن إلحادنا وانحطاطنا المفترضين لا ينبغي أن يجعلانا أغنياء وأقوياء، لاسيما عندما يكون المؤمنون الأتقياء، أمثالهم، فقراء وضعفاء للغاية. ولكنهم، بدلاً من معالجة الأسباب الحقيقية لبؤسهم الحالي، بما في ذلك الفساد والاستبداد، يلقون اللوم على غيرهم، فيصبون جام غضبهم على دعم أميركا لإسرائيل أحيانا، وعلى مقطع فيديو مغمور أو رسوم متحركة، أحيانا أخرى.

ولا تساهم أميركا إلا بتغذية نوبات الغضب هذه، حين تعتذر خطأ عن تبلد المشاعر الذي يبديه أحيانا قلة من مواطنيها، الذين يتمتعون بحرية التعبير بموجب الدستور الأميركي، وهي تبدو أضعف حين ترسل إدارتها إشارات مربكة عن قوتها. فغالبا ما يحتفل مسؤولو الإدارة الأميركية بإنجازاتهم، سواء جو بايدن الذي تباهى بقتل أسامة بن لادن، والرئيس أوباما الذي مزح بشأن الاغتيالات المنفذة بواسطة طائرات "بريداتور"، وهيلاري كلينتون التي سرت بمقتل القذافي.

ومع ذلك فإنهم في أوقات أخرى، وسط تعهدات بتخفيض نفقات الدفاع، يعلنون بصوت عال ابتعاد أميركا عن الشرق الاوسط نحو آسيا، أو يسخرون من بروتوكولات مكافحة الإرهاب نفسها التي تبنوها في وقت لاحق، بما في ذلك خليج غوانتانامو، وعمليات الترحيل السري، والمحاكم المختصة، والاحتجاز الوقائي. وليس هناك أمر يتعلق بالشرق الأوسط المعاصر، أشد خطورة من سوء فهم مصدر غضبه. والتحدث بصوت عال مع حمل عصا صغيرة، يفاقم هذا الارتباك فحسب.

فما الذي يسعنا فعله؟ يمكننا أن نبدأ بتطوير اكتشافاتنا الهائلة الجديدة للنفط والغاز في الأراضي العامة في أميركا، ويمكننا ترتيب منزلنا المالي، ويمكننا أن نقطع المعونة بهدوء عن حكومات الشرق الأوسط. ويمكننا حظر السفر، وتقييد التأشيرات، واستدعاء سفرائنا، على الأقل إلى أن تتمكن الحكومات العربية من السيطرة على الحشود الغاضبة في شوارعها.

دعونا نضع سياسة متسقة بخصوص ما يسمى بالربيع العربي، تطبق الانتقاد نفسه للطغاة غير الليبراليين والمتشددين الذين يطيحون بهم، على حد سواء، ولنلزم الصمت ولنبق جيشنا قويا. دعونا لا نعتذر عن بعض الأميركيين الذين يملكون الحق في أن يكونوا بسطاء، ولنقم، بدلا من ذلك، بإدانة المتشددين الذين يقتلون كل من لا يروق لهم.

 

Email