التاريخ سيحكم على بوش وأوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

الموضوع الذي تدور حوله حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعادة انتخابه هذا العام، هو أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قد ترك فوضى رهيبة للغاية، بحيث أن أوباما لا يمكن أن يتوقع أن يتخلص منها في 4 سنوات.

 بتعبير آخر، فإن 43 شهرا من معدلات البطالة التي تزيد على 88% وقروض جديدة تقدر قيمتها بـ5 تريليونات دولار، وديون متراكمة تقدر بـ16 تريليون دولار، وسعر للبنزين يصل تقريبا إلى 4 دولارات للغالون، وانخفاض حاد في متوسط الدخل العائلي، والانغماس في حربين مكلفتين، كل ذلك يرجع إلى جورج بوش، وهو أكثر صعوبة من أن يتغلب عليه أي شخص آخر. وهكذا فإن أوباما لا يمكن الحكم عليه بالسجل الذي حققه في ما بين عامي 2009 و2012.

من النظرة الأولى يبدو هذا زعما غير مألوف بالمرة، فقد جاء الأميركي الأسبق جيرالد فورد في أعقاب فوضى فضيحة ووترغيت التي أودت بريتشارد نيكسون، وكذلك في أعقاب الحظر العربي للنفط، وبعد شغل منصبه لمدة تقل عن 3 سنوات، لم يفلح في الفوز بإعادة انتخابه.

وبدا أن خلفه جيمي كارتر يضع نفسه في موقف أكثر سوءا، فخرج من البيت الأبيض بعد 4 سنوات، وقد تم ربطه بمؤشر مرتفع لـ"البؤس"، عززته معدلات البطالة العالية وكذلك معدل التضخم الكبير.

تولى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان منصبه في ظل تراث كارتر المرير، ولكنه خاض انتخابات إعادة الترشح بنجاح في عام 1984، ليس على أساس شعار "كارتر هو المسؤول"، وإنما على أساس الانتعاش الذي وضع خطته. وقد تم انتخاب الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون تحت شعار "إنه الاقتصاد يا غبي" في عام 1992، وأعيد انتخابه بعد ذلك بـ4 سنوات عقب اقتناصه للمسؤولية عن أوقات الازدهار.

وورث جورج بوش توابع الزلزال التي أعقبت انهيار شركات التقنية، كما ورث بلادا غير مؤهلة للاستجابة للهجمات الإرهابية عقب أحداث الثمانينات والتسعينات. وعلى الرغم من أحداث 11 سبتمبر، إلا أن بوش أعيد انتخابه على أساس موضوعي الاقتصاد والبلد الأكثر أمنا.

ويعتبر إلقاء اللوم أو الثناء على الرؤساء على مدة حكمهم التي تدوم 4 سنوات تقليدا أميركيا، وهذا هو السبب في أن أوباما قد أكد في البداية أنه إذا لم يستطع أن يغير وضع الاقتصاد، فإن رئاسته ستكون "قاصرة على مدة واحدة".

وشأن كل الرؤساء، فإن أوباما ورث تركة إيجابية وسلبية معا. صحيح أنه كانت هنالك حرب في العراق، ولكن زيادة عدد القوات- التي عارضها المرشح أوباما- كسبت السلام في منتصف 2008، وذلك هو السبب في أن الجنرال ديفيد بترايوس والسفير الأميركي رايان كروكر، كانا قد تفاوضا بالفعل حول جدول زمني للانسحاب الأميركي.

وقد تبع أوباما تلك التسوية، ولم يكن أكثر مساهمة في إنهاء الحرب منه في بدئها. ولسوف تكون مطالبة أوباما بأن ينسب له وحده الفضل في إنهاء الحرب في العراق، شيئا شبيها بلومه على جعل الأمور أسوأ في أفغانستان، علما بأن الأميركيين الذين قتلوا في تلك الحرب في فترة رئاسة أوباما، يبلغ عددهم ضعفي عدد أولئك الذين قتلوا خلال السنوات الثماني لإدارة بوش.

لقد ورث أوباما اقتصادا فظيعا في يناير 2009، ولكنه اقتصاد تجاوز مرحلة السقوط الحر من الذعر الذي ساد الأسواق في منتصف سبتمبر 2008، وهو الأمر الذي أعطى فجأة لأوباما أسبقية 4 نقاط على جون ماكين في استطلاعات الرأي، بعد أن كان متراجعا عنه بـ4 نقاط.

ويعد توجيه اللوم إلى بوش عن بعض الفوضى أمرا مشروعا في السياسة، ولكن فقاعة الإسكان والانهيار ـ اللذين كانا عاملين مساهمين في انهيار سبتمبر ـ كانا مساهمة من الحزبين في دفع شركتي التأمين "فريدي ماك" و"فاني ماي" لضمان القروض الثانوية المفعمة بالمخاطرة، المعطاة للمقترضين غير المؤهلين الذين لم يكن ينبغي أن يشتروا منازل بأسعار باهظة.

وقد تورط المطلعون على المعلومات في واشنطن، في مراكمة فريدي ـ فاني للأرباح، رغم محدودية معرفتهم بالعمل المصرفي.

وهؤلاء أمثال رهم إيمانويل (كبير موظفي البيت الأبيض السابق في رئاسة أوباما) وفرانكلين رينز (من الشخصيات البارزة في إدارة كلينتون) وتوم دونيلون (مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي الحالي) وجيمس جونسون (أحد المساهمين البارزين في حملة أوبما) وجيمي جورليك (نائب وزير العدل في إدارة كلينتون).

ورغم امتداد الأزمة إلى الأشهر الأربعة الأخيرة من رئاسة بوش، فإن البطالة ظل متوسطها 5.3 خلال السنوات الثماني التي أمضاها في منصبه.

يرى المراقبون في واشنطن أن أوباما ينبغي تهنئته لإصدار الأمر بالغارة الناجحة على منزل أسامة بن لادن، ولكن جهاز المخابرات والبروتوكولات المناوئة للإرهاب، التي وفرت جانبا كبيرا من الخبرة لهذه المهمة، كانت مستقرة تماما في موضعها عندما تولى أوباما منصبه، على الرغم من هجماته الخطابية السابقة على غوانتانامو وعمليات التعذيب والمحاكمات والسجن الوقائي وقانون المواطنة، فهي جميعها أمور تبناها على الفور دون إيماءة شكر لسلفه.

وعلى سبيل المثال؛ فقد ورث أوباما برنامج الطائرة الموجهة عن بعد "بريدوتور" المثير للجدل، ولكنه وسع نطاق مهام هذا البرنامج، وفي غضون 4 سنوات وافق على عمليات قتل 7 أضعاف الإرهابيين المشتبه فيهم، الذين وافق بوش على قتلهم في 8 سنوات، وسط الصمت المفاجئ الذي هيمن على اليسار المناهض للحرب.

لقد آن الأوان لكي يقوم أوباما بنسيان كل ما يتعلق ببوش، وبالمبادرة، شأن كل الرؤساء الذين سبقوه، بالتأكيد على أن الأمور حاليا أفضل مما كانت عليه عندما تولى منصبه قبل 4 سنوات تقريبا، وأنه يستحق أن ينسب إليه تحقيق التغيير.

ولسوف يقوم الناخبون بوزن هذا الزعم، وسيصدر التاريخ حكمه على جورج بوش استنادا إلى فترتي رئاسته، تماما كما سيحكم على أوباما استنادا إلى السنوات الأربع (أو الثماني) التي أمضاها في منصبه.

Email