ايران ومصر.. مفهوم النصر والدور المقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّل مؤتمر القمة لدول عدم الانحياز في طهران، حدثاً يستحقّ التوقف عنده، سواء بالنسبة لإيران أو لمصر. بالنسبة لإيران، لأنها استضافت القمة على أرضها، ولأن رئاسة الدورة المقبلة التي تستمر 3 سنوات قد انتقلت إليها من مصر. وقد عدّت إيران ذلك بمثابة «نصر ضخم لها وهزيمة لأميركا والغرب»، كما ورد في الصحف.

هذه القراءة للحدث تستدعي التعليق من غير وجه: الأول يتصل بفكرة عدم الانحياز ذاتها. ولا أعتقد أن تصنيف إيران نفسها، بين دول عدم الانحياز، يقنع من ينظر ويتأمل في مواقفها وسياساتها من النزاعات الدائرة على الساحتين الإقليمية و الدولية. يشهد على ذلك موقفها من الصراع الناشب على أرض سوريا، فهي منحازة في هذا الصراع، بمالها وأسلحتها، والبعض يقول برجالها، إلى جانب النظام ضد الثورة الشعبية.

فأين يكون عدم الانحياز؟ هذا مثال على أن من يلتف على الأمور وينسف معاني الأشياء وقيمها، هم دعاتها وحراسها، سواء تعلق الأمر بمبدأ عدم الانحياز، أو بالدفاع عن قيم الحرية والعدالة ونصرة الشعوب ضد الظلم والاستعباد. وإنها لمفارقة أن إيران التي صنعت ثورة، وتسعى إلى تصديرها، منذ عقود، تقف الآن ضدها.

الوجه الثاني، يتعلق بحركة عدم الانحياز، التي طُويت صفحتها وتوقفت عن الحراك، مع سقوط المعسكر الاشتراكي، وأفول حركات التحرر الوطني. وهي إذ تعود اليوم، تعود كمسخرة، أو بشكلها الانتهازي. ذلك أنه إذا كان ثمة إمكان لتعويم هذه الفكرة، فالأولى أن تدار بعقلية الوساطة، والشراكة، والمداولة، لا بالمدفع والصاروخ، ولا بالاصطفاف في أقصى المحاور والمعسكرات.

الوجه الثالث، يتعلق بالنصر الذي يتحدثون عنه في إيران: انتقال قيادة حركة عدم الانحياز إلى دولتهم. بالطبع، فالأمر يتعلق بمفهوم النصر الذي قد يكون نصراً على الأعداء، أو نصراً على الذات. وقد قال عمر بن الخطاب يخاطب جنوده: «وأنتم إنما انتصرتم على عدوّكم، مع قلّة عددكم، لانتصاركم أولاً على أنفسكم». ولكن إيران، الآن، بعيدة كل البعد عن ذلك النصر بما هو جهاد أكبر، أي مجاهدة الذات، بحسب المأثور التراثي، ذلك أن هاجسها الدائم هو البحث عن الأدوار والمواقع الاستراتيجية حيث أمكنها ذلك.

أصل إلى الخلاصة، وهي الأهم بالنسبة إلى الشعب الإيراني. فأي مصلحة له في هذا النصر الذي يتباهى به قادته؟ ولكن الأمور هي دوماً مقلوبة لدى الأنظمة الشمولية، التي يحرّكها هاجس القبض على السلطة والمجتمع والناس والمقدرات. وهذا ما يجعلهم يعتبرون أن بقاء الأنظمة هو النصر المبين، أياً كانت الأثمان. وهذه قاعدة أخرى من قواعد الأنظمة الشمولية: الهروب من استحقاقات الداخل بخلق أعداء في الداخل والخارج.

هذا، مع أن إيران تملك موارد هائلة لا تملكها دول حققت نجاحاً في مجالات التنمية، لأن أعمال التنمية تحتاج إلى استراتيجية مركبة متعددة الأبعاد، بحيث تجري على غير مستوى وصعيد؛ الاقتصاد والسياسة، الأخلاق والأمن، الريف والمدينة، الداخل والخارج، بل العمل في الداخل هو أَولى من العمل في الخارج، لأنه السبيل إلى النجاح في الخارج.

بعد هذا، أنتقل إلى الجانب المتعلق بمصر، التي حضر رئيسها محمد مرسي القمة، وتحدث من على منصتها. ومشاركة الرئيس المصري لها أبعادها ودلالاتها: إنه ينهي قطيعة بين مصر وإيران استمرت عقوداً. وإذا كان إعلان الرئيس المصري عزمه على المشاركة في قمة طهران قد أثار جدلاً في مصر بين معارض ومحبّذ، فإنه قد فعل حسناً في مجيئه إلى طهران، ولو كان يعارض سياستها، لأن هذا يعني خروج مصر من عزلتها، لاستعادة دورها الفعال على الساحة العربية والإقليمية.

أخرج من ذلك إلى محتوى الكلمة التي ألقاها الرئيس مرسي، والتي شكلت حدثاً بذاتها من ناحيتين. الأولى، أنها، في ما يخصّ الأزمة السورية، قد دعت إلى تشكيل لجنة تهتم بإيجاد تسوية لها، مؤلفة من إيران وتركيا، وهما دولتان مسلمتان غير عربيتين، إضافة إلى السعودية ومصر، وهما دولتان عربيتان. ولا يعني ذلك بالضرورة استبعاد اللاعبين الكبار: أميركا وروسيا، ولكن يمكن بحث الأزمة، على مستوى أول، باجتماع الفاعلين والمعنيين من عرب ومسلمين.

أما الأهم فهو أن الكلمة/ القنبلة، هي أن مرسي وقف في القمة على النقيض من إيران في المسألة السورية، إذ وصف النظام السوري بأنه «نظام قمعي ظالم فقد شرعيته». وكان من الطبيعي أن يقف مع نضال السوريين من أجل الحرية والعدالة.

واللافت هنا، أن مرسي قال إن نصرة الشعب السوري هي ضرورة استراتيجية، كما هي واجب أخلاقي. صحيح أنه افتتح خطابه بلغة دينية إسلامية ذات شيفرة مذهبية، ولكنه عندما تطرّق إلى الوضع في سوريا، تحدث كسياسي، ومن منطلق إنساني أخلاقي. والأخلاق أولى، إذ هي منبع القيم الدينية الجامعة. كانت كلمة مرسي ناجحة، كما شهد له معارضون ومعلقون محايدون. لم تنمّ عن سذاجة، كما وصفها بعض الإعلام الإيراني الذي حاول تزوير كلامه، لأنها كانت تصدر عن ذكاء عملي، وعقل استراتيجي، وحسّ إنساني عالمي.

نحن إزاء لغة جديدة تحدث بها الرئيس المصري إلى العالم، والأمل أن يتعزّز هذا المنحى في إدارة الشأن العام، ومعالجة القضايا داخل مصر، التي تشهد محاولات حثيثة، إمّا لأسلمة الدولة من جانب السلفيين، أو للهيمنة السياسية عليها من جانب الإخوان المسلمين. وهذه المحاولات، أكانت أسلمة أم أخونة، لن تنجح، بل سوف تفضي بمصر إلى مأزقها، أي إلى معالجة الأزمات بالأدوات التي تعيد إنتاجها على النحو الأسوأ.

Email