أميركا والتدخل في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبتعد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، فيما يبتعد الشرق الأوسط عنها. وتشهد أميركا أعظم ثورة غاز ونفط محلية منذ أوائل القرن العشرين، وفي حال ثبتت دقة التكهنات الحذرة حول الاحتياطيات الجديدة في جزيرة ألاسكا في أميركا الشمالية، فقد تصبح القارة بأكملها، على مدى العقد المقبل، مستقلة من حيث الطاقة، دون حاجة كبيرة إلى واردات النفط من الشرق الأوسط.

ويتزامن تقلص الاعتماد الأميركي على نفط الخليج، مع تصاعد الاعتماد الصيني على نفط الشرق الأوسط وغازه. وبالتالي فإن الخليج، في الوقت الذي يقل أهمية بالنسبة لنا، يزداد أهمية بالنسبة للصينيين المتعطشين للنفط، والمحملين بالسيولة، والذين يبادرون لانتهاز الفرص.

وبعد خوض حربين في الشرق الأوسط، سئم الأميركيون من إرسال قواتنا إلى هناك، بقدر ما سئم الشرق أوسطيون من وجودنا بينهم.

وخلال الحرب الباردة، كان مفاد الشكوى العربية المعتادة من الولايات المتحدة، أنها كانت تؤيد السلطويين المناهضين للشيوعية في المنطقة، وتتجاهل الإصلاح الديمقراطي. وبعد حرب الخليج في عام 1991، كان مفاد الاتهام التالي، أن أميركا حاربت الرئيس العراقي السابق صدام حسين لمجرد تحرير بلد موال لها، دون أي نية لمساعدة الإصلاحيين في أي من البلدين.

وبعد حرب الخليج في عام 2003، اندلعت موجة غضب جديدة واسعة النطاق، بشأن استخدام الأسلحة الأميركية في العراق. وأخيرا، خلال الربيع العربي في عام 2011، اتهم العالم العربي الولايات المتحدة بأنها تأخرت كثيرا في تقديم الدعم السياسي للثوار في مصر وتونس، وتأخرت مجددا في غمار "القيادة من الخلف" في مساعدتها للدول الأوروبية على الإطاحة بالدكتاتور الليبي معمر القذافي. والآن، يلح العالم العربي على أميركا للمساهمة في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

دعونا نحاول فهم ما سبق.. لقد لعنت أميركا بسبب خداعها المكيافيلي في دعمها للحكومات الاستبدادية، وبسبب مثاليتها الساذجة في استخدامها للقوة لزرع الديمقراطية، وبسبب تناقضها في عدم استخدامها للقوة لحماية المتظاهرين الديمقراطيين؛ وبسبب انعزاليتها الأخيرة في تجاهلها للعنف العربي الجاري. فلمَ قد تتكبد أي عناء إذن؟

ويفيد النص الثانوي لمعاداة الشرق الأوسط للولايات المتحدة بأن المنطقة، إذا ما أعطيت الفرصة، ستتبنى نوعا خاصا بها من الحرية. ولكن لا يبدو أن ذلك يحدث في مصر أو ليبيا. وفي الوقت الراهن، لا تبدو الديمقراطية وكأنها الغراء الذي يوحد السوريين، الذين يناضلون في سبيل الإطاحة بدكتاتورية الأسد البغيضة.

ولاحظوا أن نزعة معاداة الولايات المتحدة، كانت تنسب غالبا إلى انعدام شعبية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، الذي غزا بلدين شرق أوسطيين، وحاول تعزيز الأنظمة الديمقراطية، وأضفى الطابع المؤسسي على عدد من سياسات مكافحة الإرهاب الصارمة.

وفي المقابل، فقد كان من المفترض أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما الترياق؛ عائلة مسلمة من جهة أبيه، واسمه الأوسط حسين، وتعليم مبكر في أندونيسيا المسلمة، وعدة خطابات ومقابلات موالية للإسلام، واعتذارات في الخارج، وقصة شخصية غير عنصرية.. ومع ذلك، فقد أظهرت استطلاعات أخيرة للرأي أن شعبية أوباما في الشرق الأوسط تقل عن الشعبية التي حظي بها بوش.

والدين الأميركي المذهل، يفسر أيضا الانفصال الوشيك. فمع وصول الاقتراض الأميركي الجديد في غضون السنوات الأربع الماضية وحدها إلى 5 تريليونات دولار، والحديث عن اقتطاع تريليون دولار من ميزانية الدفاع على مدى السنوات العشر المقبلة، فقد تكون خيارات أميركا في الخارج آخذة في الضيق.

وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس أوباما يتصور عالما أكثر ميلا إلى التعددية، يتم فيه تعهيد المسؤوليات الأميركية السابقة في الشرق الأوسط إلى مصالح جماعية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

وربما قريبا، ستكون المشكلة أننا ببساطة لن نملك ما يكفي من القوة لاستخدامه في القيام بأي شيء تقريبا، وسنضطر إلى طلب إذن الأمم المتحدة في حال كانت لدينا القوة.

إن النزعة الانعزالية الأمريكية لا تسفر عادة عن أية نتائج إيجابية، لا سيما مع دعمنا الرئيسي لإسرائيل. ولكن لمجموعة متنوعة من الأسباب، منها الجيد ومنها السيئ، فقد تحطمت سياسة التدخل المتضاربة، التي نعتمدها في الشرق الأوسط.

ولا أحد يعرف كيف يمكننا إصلاحها من جديد، أو ما إذا كان يتعين علينا ذلك أصلا.

Email