كاليفورنيا غير الموجودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشبه الانطلاق بالسيارة عبر ولاية كاليفورنيا، السفر من ماساشوستس إلى ميسيسيبي دون عبور حدود أية ولاية.

وألقوا نظرة على التناقضات في هذا الصدد؛ تعتبر الضرائب المفروضة على الدخول والمبيعات في ولاية كاليفورنيا من أعلى الضرائب على مستوى أميركا، ولكن عجز الولاية لا يزال يقرب من 16 مليار دولار.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 2000 كاليفورني من ذوي الدخل المرتفع يغادرون أسبوعياً، هرباً من الضرائب المرتفعة والأنظمة المكلفة، ومع ذلك فإن الولاية تريد زيادة الضرائب بدرجة أكبر.

ويعد معلموها من أعلى المعلمين أجراً على مستوى أميركا، إلا أن طلاب مدارسها العامة لا ينفكون يحرزون أدنى الدرجات تقريباً على المستوى الأميركي، في اختبارات الرياضيات والعلوم.

ويستمتع الموظفون الحكوميون في هذه الولاية بأكثر المعاشات التقاعدية والمزايا سخاء على مستوى البلاد، ولكن أنظمتها التقاعدية تعاني من نقص في التمويل يقرب من 300 مليار دولار.

وتعد الضرائب المفروضة على البنزين في كاليفورنيا، والتي تزيد على 49 سنتاً للغالون الواحد، من أعلى ضرائب الوقود على مستوى أميركا، غير أن طرقها السريعة التي لم يكن لها مثيل في مرحلة من المراحل، تحولت إلى كوابيس مليئة بالحفر ولم تتغير منذ أوائل ستينات القرن الماضي.

وبصفتها موطناً للشركات الخضراء المفلسة مثل "سوليندرا"، فقد أصدرت كاليفورنيا أمراً بأن يأتي عما قريب ثلث الطاقة التي توفرها المرافق الحكومية من مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، اللتان توفران حالياً نحو 11٪ من احتياجاتها من الكهرباء، ولا شيء تقريباً من وقود مواصلاتها.

وكيف أفسر ما لا يمكن تفسيره؟ يبدو أنه ليست هناك ولاية تسمى كاليفورنيا، وتلك تسمية خاطئة. فلا وجود لولاية من هذا القبيل، ولكن هناك ثقافتين ومساحتين من الأرض مختلفتين جذرياً، تجمعهما حفنة من القواسم المشتركة، فكلتاهما تعاني من خلل وظيفي بطريقة مختلفة تماماً. وهما، كل على حدة، لا تنتميان إلى هذا الكوكب، ومعاً تشكلان كارثة.

ويمتد ممر ساحلي ضيق ما بعد حداثي، من سان دييغو إلى بيركلي، حيث يعد الطقس مثالياً، ويجني الأرستقراطيون الأثرياء مالاً وفيراً، وتعتبر القيم خضراء ويسارية. وتحاذي هذه الشانغريلا منطقة داخلية فقيرة شاسعة، من الصحراء الجنوبية إلى الوادي الأوسط الشمالي، حيث تغدو الحياة ما قبل حداثية.

وعلى الساحل، تقوم الجامعات الممتازة، مثل «كال تك» و«بيركلي» و«ستانفورد» و«كاليفورنيا» المحاطة بالمناظر الطبيعية الريفية، بتدريب أطباء العالم ومحاميه ومهندسيه ورجال أعماله. أما في المدن الداخلية الحارة ذات الطابع العمالي، فإن نظام جامعة كاليفورنيا يلزم أكثر من نصف الطلبة الجامعيين المقبلين، بأخذ دروس تقوية في الرياضيات والعلوم.

وفي بالو ألتو وسانتا مونيكا ما بعد الحداثيتين، تزيد كلفة الكوخ الصغير على مليون دولار. وعلى بعد ساعتين منهما، في مدينة ستوكتون ما قبل الحداثية والمفلسة حالياً، تقل كلفة بيت بالحجم نفسه عن 100 ألف دولار.

وفي الداخل، تتجاوز نسبة البطالة في العديد من المناطق 15٪، وتصل معدلات سرقة الأسلاك النحاسية إلى مستويات وبائية. ويفر الألوف من أبناء الطبقة الوسطى الآخذة في التقلص، من الداخل إلى الساحل أو إلى ولايات مجاورة لا تفرض ضرائب على الدخل.

ولفهم إحصاءات الولاية التي تكاد لا تصدق، فإنه مع ازدياد عدد سكان كاليفورنيا بمقدار 10 ملايين نسمة من منتصف ثمانينات القرن الماضي إلى عام 2005، زاد عدد المستفيدين من برنامج «ميديك إيد» فيها بمقدار 7 ملايين نسمة خلال تلك الفترة؛ ويقيم ثلث الأميركيين المستفيدين من الرعاية الاجتماعية، في ولاية كاليفورنيا الآن.

ولكن في أرض «آبل» و«فيسبوك» و«غوغل» و«هوليوود» الخيالية، يعيش الملايين في جنة مثالية. وقد يقلق الكاليفورنيون الساحليون بشأن توافه ولايتهم، حيث يسعى مشرعوهم لحظر كبد الإوز، وإيقاف مشاريع الري لإنقاذ سمك الهف ذي الثلاث بوصات، والسماح للأطفال بأن يحظوا بعدة آباء معترف بهم قانوناً.

أما في الداخل الأقل بعثاً على الشعور بالراحة، فإن اللوائح المعوقة تكبح الأخشاب والغاز والنفط، والإنتاج الزراعي. وفي الغالب، فإن القواعد توضع من قبل طوباويين ساحليين لا يعرفون من أين يأتي وقود سياراتهم المستوردة، أو كيف يتم قطع الخشب الأحمر لشرف منازلهم، أو من يزرع المكونات التي يستخدمونها في تحضير وجباتهم المنتمية إلى نظام غذاء البحر المتوسط؛ من جرجير وزيت زيتون ومكرونة.

وعلى الساحل، يعتبر الحديث عن الهجرة غير الشرعية غير لائق من الناحية السياسية. أما في الداخل، فإن السكان يرون مباشرة تأثير الإفلاس في المدارس والمحاكم والرعاية الصحية، بينما يصل ملايين الأشخاص بصورة غير قانونية وبلا طلاقة باللغة الإنجليزية ولا شهادة ثانوية، ويرسلون تحويلات بمليارات الدولارات إلى المكسيك وغيرها من دول أميركا اللاتينية.

ورغم أن السفر من فريسنو إلى بالو ألتو يستغرق ثلاث ساعات، فإنه قد يبدو كاستقلال صاروخ من الأرض إلى القمر.

Email