الآداب والفنون في عهدة الإسلاميين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطرح وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، تساؤلات عديدة تتعلق بالموقف من الآداب والفنون، والوسائط المختلفة المرتبطة بهما، على مستوى الكلمة المكتوبة من رواية وشعر ونقد، وعلى مستوى الصوت من غناء وموسيقى، وعلى مستوى الصورة من أفلام ومسلسلات مختلفة.

والواقع أن أضعف المنتجات المرتبطة بالتيارات الإسلامية، هي ما يتعلق منها بالأدب والفن. فمن الممكن أن يتحدث من ينتمون للتيارات الدينية المختلفة بسهولة ويسر عن القرآن والسنة والتفاسير المختلفة المرتبطة بهما، بينما يصعب عليهم أن ينتجوا رواية جيدة وفقا للمعايير الأدبية الخاصة بهذا النوع الأدبي، أو ينتجوا ديوانا شعريا وفقا لمدارس الشعر الحديثة أو حتى التقليدية، أو ينتجوا كتابا نقديا يترسم خطى مدارس النقد المختلفة المتعارف عليها.

والمتتبع لجملة المنتج الأدبي المتعلق مثلا بمن ينتمون للإخوان المسلمين، لن يجد منتجا روائيا أو شعريا أو نقديا يمكن الاعتداد به، ضمن المدارس الأدبية المتعارف عليها.

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للآداب والوسائط الخاصة بها، فإنه يكاد لا يوجد منتج فني يتعلق بفيلم أو مسلسل أو مسرح، يرتبط بالتيارات الإسلامية، ناهيك عن وجود ممثلين إخوانيين مثلا أو سلفيين. فالتصور الديني للفن ما زال بعيدا جدا عن حدود المقاربة والملامسة، بحيث يصعب العثور على عمل واحد يمكن رده لجماعة إسلامية ما، أو حتى لمجموعة ممثلين إسلاميين.

ولعل ذلك يجعلنا نبحث عن الأسباب المرتبطة بمثل هذا الضعف، وربما الغياب شبه التام للمنتجات الأدبية والفنية الإسلامية. وهو أمر يحدث في ظل وجود تراث إسلامي حافل بالشخصيات التي يمكن التعامل معها أدبيا وفنيا، كما يحدث أيضا في ظل وجود مآسٍ هائلة في التاريخ الإسلامي، بما يساعد على تفجير طاقات الدراما والإنتاج على مستوى المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون.

يكشف الواقع المصري، على سبيل المثال، عن ضحالة كبيرة في فكر الإسلاميين. وربما كشفت تجربة مجلس الشعب المصري عن نوع من البراءة السياسية، التي تقترب من حدود السذاجة لدى الكثيرين من هؤلاء النواب، رغم عمق ارتباطهم بالشارع المصري.

ولقد كشفت هذه التجرية عن عدم إلمام الإسلاميين ثقافيا، فما كان يحدث في المجلس أن يبدأ العضو بالديباجة الإسلامية المتعارف عليها من الصلاة والسلام على رسول الله، وهي الديباجة التي يتقنها المسلم العادي في الشارع العربي عموما. أما بعد ذلك فحديث لا يمت للغة العربية بصلة، ولا ينم عن دراية فكرية أو ثقافة حقيقية.

فالتربية الثقافية للإسلاميين ترتبط أساساً بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وهو أمر لا غبار عليه، لكن تعقيدات العالم الذي نعيش فيه، تستدعي التعمق في العلوم الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو أمر يحض عليه الإسلام نفسه، من خلال دعوته للتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى وفهم عاداتهم وتقاليدهم في إطار من التسامح والاحترام، ولنا في رسول الله خير مثال على كيفية التعامل مع الآخرين.

والفارق هنا كبير بين رؤية قاصرة لا ترى إلا ذاتها ولا تتمركز إلا حول ثقافتها، وبين رؤية نبوية قادرة على فهم الآخرين والتسامح معهم والانفتاح على ثقافاتهم المختلفة، بما يوفر قدرا كبيرا من الاطلاع وسعة الصدر والفهم المتعمق لشعوب الله الأخرى.

وتكمن آفة التيارات الدينية المعاصرة في الانغلاق الشديد على الثقافة الإسلامية، وهو انغلاق تكمن خطورته ليس فقط في اجترار ما نتعلمه في إطارها، لكن أيضا في تصور أن أي انفتاح على الثقافات الأخرى معناه تلوث ثقافتنا والنيل منها.

فثقافات الآخر، وبشكل خاص الغربي، ثقافات آثمة ومنحطة ودنيوية! ولعل هذا التصور الواحدي القاصر، هو ما يفسر غياب المنتجات الأدبية والفنية التي يمكن أن تتصالح مع التصورات الإسلامية الثقافية، بما يساعد على المساهمة في الحضارة الإنسانية بمنتجات جديدة من التفاعل مع الشعوب الأخرى.

وينسحب هذا التصور الضيق لمنتجات الشعوب الأخرى أيضا، على أصحاب التيارات الفكرية من المسلمين اليساريين والليبرالين، حيث لا يقبل الإسلاميون التعامل معهم، بل ويكيلون لهم التهم نفسها التي يكيلونها للغرب؛ من تكفير وانحطاط وتضييع للدين الإسلامي الحنيف، الذي هو في النهاية أكبر من الإسلاميين المعاصرين أنفسهم وكافة تصوراتهم الدينية الضيقة.

وبجانب تلك الرؤية الضيقة للمحيطين وللشعوب الأخرى وللعالم، هناك العديد من الأسباب التي تكمن في فقر المعرفة والتعلم، والخضوع لمشايخ ضيقي الأفق، واستغلال مناخ الجهل والفقر والأمية وضحالة الاحتكاك بالآخرين، والحكم على الثقافة من منطق الحلال والحرام، ناهيك عن سيف الاتهامات الجاهزة. وهي أسباب خطيرة ومؤثرة، لكن تظل الرؤية الضيقة والجامدة هي أخطر تلك الأسباب.

وما لم ينفتح الإسلاميون على الآخرين، فسوف ينقرضون في عالم لا يعترف بالتقوقع والانغلاق والتشدد والحط القيمي والديني من الآخرين.. وكل عام وأنتم منفتحون.

Email