طال الوقت يا عنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن عُين كوفي أنان الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية للعمل على وقف العنف الدائر في سوريا لم يستطع أنان تحقيق ذلك الهدف أو تحقيق ما يمكن أن يشير إلى أن خطته التي حملت اسمه يمكن أن تلقى التنفيذ من النظام السياسي في سوريا. وحتى هو بنفسه أعلن مؤخراً عدم نجاح خطته وعدم تمكنه من إنجاز مهمته أو ضمان نجاحها في المستقبل.

والسبب بالطبع هو تعنت النظام السوري المدعوم من روسيا وعدم استعدادهما القبول الفعلي بالخطة وذلك لحاجة في نفس كليهما. ورغم معرفة أنان بأن خطته لا يمكن أن تنجح في ظل الاستقطاب الدولي الجاري حالياً حول سوريا بين روسيا والصين ومعها إيران من جهة والدول الغربية والعالم العربي من جهة أخرى إلا أنه ما زال مستمرا في مهمته وكأن كل ما قاله عن عدم نجاح خطته لم يؤثر عليه لا من قريب أو من بعيد.

كوفي أنان إنسان ذكي ولو لم يكن كذلك لما نجح في الحصول على ولايتين لقيادة المنظمة الدولية كأمين عام لها منذ عام 1997 وحتى 2006. فليس من السهل أن تبقى على رأس المنظمة الدولية لعشر سنوات إلا إن كنت شخصاً تستطيع المراوغة بأسلوب دبلوماسي كبير لترضي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن صاحبة حق الفيتو ضد استمرار الأمين العام في منصبه.

رغم أن كوفي أنان قد برز دولياً في فترة مليئة بالأحداث السياسية الكبيرة إلا أنه لم يستطع طوال تلك الفترة إحداث إنجازات سياسية لشخصه في القضايا السياسية الكبرى التي واجهت العالم في تلك الفترة. فعندما كان مسؤولاً عن عمليات حفظ السلام لم يتمكن من أن يمنع جريمة الإبادة البشرية بحق المدنيين في رواندا عام 1994، بل منع القوات الأممية من التدخل لمنع مثل تلك الجريمة من الحدوث، وبعدها اعترف بأنه كان من المفترض عليه أن يفعل أكثر مما فعل.

وذات الأمر كان في البوسنة والهرسك عندما كان أنان يقود قوات حفظ السلام إلا ان أسلوبه القيادي السلبي لم يمنع حدوث جريمة إبادة ضد المسلمين من أهل البوسنة والهرسك في عام 1995. وجميعنا يذكر محاولاته لمواجهة العقوبات المفروضة على العراق من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء وهو البرنامج الذي لقي العديد من الانتقادات والاتهامات لشخص الأمين العام بعمليات فساد ولم يفعل شيئا لوقف نزيف أرواح مئات الآلاف من أطفال العراق.

في كل تلك الحالات كان موقف كوفي أنان موقفاً سلبياً ولم ينجح في منع حدوث المجازر والكوارث ضد المدنيين، الأمر الذي يثير التساؤل حول مدى إمكانية كوفي أنان تحقيق إنجاز يذكر في سوريا. إن أسلوب أنان في كل تلك الحالات يعتمد على التمادي في إضاعة الوقت، مما يؤدي إلى أن يتضرر المدنيون بشكل أكبر وأكثر، وهو ذات الأسلوب الذي يتبعه أنان وللأسف في الحالة السورية.

لقد نسي أنان أنه كان من أحد المؤسسين للمبدأ الدولي "مسؤولية الحماية" والتي تقول إنه في حالة فشل الدولة في حماية شعبها من جرائم الإبادة فإن على المجتمع الدولي التدخل لحماية الأفراد بما في ذلك اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية.

إن تمادي أنان في السير في خطته مع إعلانه الصريح بفشلها لا يعني سوى أن أنان يرتكب ذات الخطأ الذي ارتكبه سابقاً في رواندا والبوسنة والهرسك عندما كان في استطاعته أن يمنع جرائم الإبادة ضد المدنيين من أن تقع ولم يفعل، اليوم يفعل ذات الشيء برفضه إعلان فشل خطته بصراحة أمام الأمم المتحدة والجامعة العربية ويقدم استقالته من المهمة ويلقي بالتالي المسؤولية على المجتمع الدولي ليوقف حمام الدم الجاري في سوريا وفقاً لمبدأ "مسؤولية الحماية" ويبرئ نفسه مما يدور في سوريا.

أنان إداري من الطراز الأول ولكنه ليس قياديا، فهو يستطيع إدارة الأزمة ببراعة وهدوء كما فعل مع كل الأزمات التي أدارها وكما فعل مع المنظمة الدولية عندما أدارها لمدة عشر سنوات ولم يخلق له عداوات مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، لكنه وللأسف ليس قائداً يستطيع أن يقرأ القادم ويتعامل معه بحنكة، لذلك لا نتوقع أن يتحقق شيء مع أنان وخطته حول سوريا سوى إطالة الوقت ليس أكثر، حيث ستدخل مسألة سوريا وللأسف من ضمن قائمة الفشل في سيرة أنان الاحترافية إلى جانب كل من رواندا والبوسنة والهرسك والعراق.

Email