معوقات نجاح الربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا لم تنجح الثورات العربية مثلما تمناها القائمون عليها، ورغبتها القوى الثورية المختلفة التي تصدرت مشهد الأحداث العاتية منذ اندلاع الثورة التونسية وحتى الآن؟ ولماذا ظلت هناك أمور كثيرة معلقة في البنى السياسية، وإن بنسب متفاوتة، في دول الثورات العربية حتى الآن؟ وهل ثمة معوقات فعلية أخرت نجاح هذه الثورات والانتقال السلس للسلطة وتأسيس قواعد سياسية جديدة مقبولة من كافة القوى والشرائح الاجتماعية المختلفة؟

الواقع أن هناك العديد من المعوقات المتجذرة في البنى العربية عامة، وبنى الدول التي اندلعت فيها الثورات خاصة، تعيق، وربما تمنع، النجاح المنشود لهذه الثورات وتحقيق مراميها وأهدافها المختلفة. وهي معوقات تاهت وسط خضم التناول الغوغائي لأحداث الثورات والصراعات المختلفة المرتبطة بها.

فما حدث طوال العامين الماضيين هو سيادة للصوت العالي والاندفاعات المقموعة، وتحول من الثورة ومراميها البريئة إلى الفوضى وأهدافها المريبة. يأتي في مقدمة هذه العوامل؛ التجريف غير المسبوق لرأس المال البشري، الذي حدث في بلدان الربيع العربي طوال العقود الماضية.

وهو تجريف كشف عن نفسه من خلال ضعف الكوادر المهيئة والجاهزة لقيادة الثورة ووضع تصورات عريضة ومبتكرة، تنقل هذه البلدان من تخلفها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمستويات واعدة جديدة، تستفيد من زخم الثورة والآمال المرتبطة بها.

وللأسف فإن هذا التجريف لا يتعلق فقط بالمستوى التقني، من حيث ضعف المهارات وتراجع الخبرات وتدني المستويات التعليمية، وتصدر أهل الثقة المشهد العام للنظم الحاكمة في هذه البلدان، لكنه تعدى ذلك ليرتبط بالتراجع في بنية القيم، من حيث سيادة ثقافة الفهلوة والرشوة والفساد والإفساد، والقبول العادي لكل هذه القيم بدون إثارة أي استغراب أو اندهاش.

ولعل ذلك ينكشف بوضوح من خلال ممارسات ما بعد الثورة، التي تعبر عن نفسها من جانب العديد من المسؤولين والمثقفين ورجال الإعلام، والتي تطالعنا كل يوم بالمزيد والمزيد من المواقف المتحولة، والسيولة غير الأخلاقية المرتدية ثياب الثورة، والمدعية الانتماء لها.

ويرتبط ما سبق بارتفاع غير مسبوق لنسب الفقر والأمية وتدهور مستويات المعيشة، وهو أمر سهل بدرجة كبيرة من استئثار شريحة محدودة من الشعب بالثروات الاقتصادية من ناحية، وسهولة الهيمنة السياسية على الفقراء وتوجيههم وفق ما يحلو لهم. ولقد ظهرت تداعيات ذلك من خلال تلاعب المجلس العسكري بمشاعر البسطاء في مصر، واستخدامهم في تمرير مشاريعه المختلفة عبر اتشاحها بالصبغة الوطنية.

إن هذه الشرائح الواسعة من الفقراء، مثلت بالنسبة لفلول النظام الأداة التي ضربت الثورات العربية في مقتل، وتم من خلالها تمرير المشاريع المشبوهة والمقيدة لاندفاع الثورة وعنفوانها.

ولم يقف الأمر فقط عند هذه الشرائح الاجتماعية الفقيرة، لكنه تعداه لفهم مغلوط للدين، سواء بين المسلمين أو الأقباط، وهو أمر ظهر واضحا من خلال تلك الممارسات الخاطئة لجماعة الإخوان المسلمين على مدى عمر الثورة المصرية، ومن خلال تلك السلوكيات والتحالفات المتناقضة، ولعل آخر هذه التناقضات قد ظهر من خلال الموقف الرافض لزيارة هيلاري كلينتون والتدخل الأميركي في مصر، رغم تهافت الأقباط والكنيسة المصرية على بلاد العم سام.

إن هذه الممارسات الإخوانية والقبطية، لعبت هي الأخرى دورا كبيرا في فرض رؤاها المبهمة والمهترئة على جموع المصريين البسطاء، الذين يرتبطون بالدين وبالقائمين عليه، بغض النظر عن جدارة ما يدعون له.

ويرتبط ما سبق وبشكل واضح، بسيادة رؤية عامة بين شعوب الربيع العربي، لا تدعم الديمقراطية وتقدس النزعة الأبوية المستبدة، وهي رؤية ترتبط بارتفاع نسب الأمية والفقر وهيمنة العواطف الدينية، في ارتباط واضح مع أطر النظم المستبدة السابقة.

ورغم اتهام بعض رموز النظم السابقة بالفلول، فإن الثورات العربية قد كشفت أن مسألة الفلول هذه مسألة عامة تنتشر بين كافة المواطنين، وإن بدرجات مختلفة. صحيح أن هناك من أفسد وقتل وعذب من رجال النظم السابقة، لكن الأمر الذي لا شك فيه أن تلك النظم قد خلقت عبر ممارساتها القامعة وإفسادها المتواصل لمواطنيها، فلولا مارسوا القمع والفساد بوعي أو بلا وعي.

وهو أمر يتضح بجلاء من خلال سأم المواطنين من الثورة، وتحسرهم على النظم السابقة وما كانوا يتحصلون عليه، حتى لو كان ذلك عبر امتهان كرامتهم وممارسات الحياة اليومية المرتبطة بالرشى وقمع الآخرين.

تتضافر العناصر السابقة مجتمعة في خلق عوائق جد خطيرة، تقلل من تسارع نجاح الربيع العربي، وإذا لم تتم مواجهة هذه العوائق على وجه السرعة، فإن الأمر الذي لا مراء فيه هو العودة إلى رحاب النظم الرجعية السابقة، وقراءة الفاتحة على روح الثورات العربية في الشهر الكريم!

 

Email