حل سوريا في الاستفتاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الخيارات المطروحة للتعامل مع الوضع في سوريا تتمحور حول ضرورة إنهاء نظام الأسد للبدء في الحديث عن مستقبل جديد لسوريا من دون ذلك النظام. لذلك يعمل الجميع على دعم خطة كوفي أنان وعلى الضغط على روسيا والصين وإيران وعلى تمويل ودعم المعارضة السورية .

وذلك في سبيل تحقيق هدف إزاحة نظام الأسد من السلطة في سوريا. وهذه العملية في حقيقة الأمر عملية صعبة جداً، فنظام بشار الأسد لا يتمحور حول مجموعة من الأفراد كما كان عليه الوضع في ليبيا وإنما هو عبارة عن شبكة معقدة من الطوائف والعرقيات التي استطاعت أن ت

تأصل بنفسها في مختلف مؤسسات الدولة وتسيطر عليها. لذلك فإن إزالة نظام الأسد يتطلب ثورة شعبية عارمة يقودها الشعب بأكمله ( من العرب والأكراد والدروز والسنة والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين)، كما حدث في ليبيا وليست ثورة يقودها جزء من الشعب. وعليه يصبح خيار تغيير النظام في سوريا بغير نظام الثورة الشعبية الكاملة عملية صعبة للغاية.

وبالتالي فإن على المجتمع الدولي أن يفكر في طريقة أخرى لتحقيق هدفه بعيداً عن طريقة تغيير النظام نحو اتباع استراتيجية لتغيير رأس النظام وإبقاء النظام قائماً حتى يتآكل من نفسه من الداخل مع الوقت عند غياب رأس النظام الحالي. وهنا على المجتمع الدولي أن يأخذ على عاتقه كل الخيارات المطروحة لتغيير رأس النظام بما فيه خيار الاستفتاء الشعبي على بقاء الأسد أو ذهابه.

إلى اليوم لم يتحدث أحدهم عن إجراء استفتاء للشعب السوري لتحديد مستقبل بلاده مع بشار الأسد، استفتاء شعبي ينظمه المجتمع الدولي بمشاركة ومراقبة من روسيا والصين من شأنه أن يحدد الملامح الحقيقية لمستقبل سوريا ويكون خطوة مقبولة لدى الروس والصينيين الذين لا يريدون لخيار استخدام القوة المسلحة أن تكون هي الوسيلة في يد الغرب لتغيير الأنظمة السياسية غير المرغوب فيها في العالم.

إذا كنا بالفعل نود لسوريا عدم الانزلاق في حالة من العنف غير المسيطر عليه وإبعاده عن سيناريو العراق فإن فكرة مثل فكرة الاستفتاء الشعبي يجب أن تعطى حقها؛ وهنا يكون الشعب السوري وليس غيره هو الذي يحدد مستقبله ومستقبل بلده.

وبالتالي الضرب على وتر ما يردده الروس والصينيون وحتى الإيرانيون بأنهم مع إرادة الشعب السوري في تحديد مصير نظامه الحاكم وليست الإرادات الخارجية. على الشعب السوري أن يُعطى الحق في الاختيار بين بقاء بشار الأسد واستمراره في إجراء إصلاحاته السياسية، أو ذهاب الأسد وإعطاء السلطة للشعب السوري لتقرير مصيره السياسي.

الاستفتاء هو الحل الأمثل للوضع الراهن في سوريا بسبب أن الوضع هناك قد تعدى حاجز المقبول ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى تراجع عزم أو تفكك قوة النظام السياسي في سوريا باستثناء خروج بعض الأفراد والضباط غير المحسوبين بشكل واضح على النظام السياسي السوري من الجيش السوري وانضمامهم إلى الجيش السوري الحر. مثل هذه الانشقاقات لا تولد سوى استمرار حالة العنف المسلح بين الطرفين والتي يذهب ضحيتها الكثير من المدنيين في سوريا.

ومع تزايد التدخلات الدولية تصبح العملية أكثر تعقيداً، حيث يصبح سيناريو لبنان ماثل أمام أعيننا بشكل كبير وواضح، ولا يبدو أن الدول الداعمة لكل طرف مستعدة للتنازل عن ما تقدمه من دعم لحليفها سواء كان ذلك الحليف هو النظام بالنسبة لبعض الدول أو المعارضة بالنسبة لدول أخرى، الأمر الذي يجعل مستقبل سوريا قاتم للغاية وينذر بعرقنة ولبننة سوريا.

نعم سوريا ليست ليبيا لأن النظام الليبي تُرك وحيداً يواجه مصيره مع الغرب، أما سوريا فلا روسيا ولا الصين ولا حتى إيران مستعدة للتنازل عنه، فإلى متى ستظل الحالة السورية تجرى وراء الإرادات الخارجية؟!

هذا الأمر يطرح الحاجة لضرورة الاعتماد على الخيار السياسي بديلاً عن الخيار العسكري في إيجاد حل للوضع الراهن في سوريا لطالما لا يوجد اتفاق دولي على الخيار العسكري. فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء معبرة عن رأي الشارع السوري الثائر والرافض للأسد فإن ذلك خير وبركه، بحيث تحتضن موسكو أو بكين أو طهران الأسد ومن معه وتترك الشعب السوري يحدد مستقبل بلده.

وعندها لا يستطيع بشار الأسد التمسك بالسلطة ولا تستطيع روسيا ولا الصين التعذر بإرادة الشعب السوري؛ أما إذا جاءت النتيجة معبرة عن رغبة السوريين في إبقاء الأسد، عندها لا صوت يعلو على صوت الشعب وعليه يجب على الأطراف المعارضة وغيرها التي لا تود للأسد البقاء أن تجلس معه للتشاور وإجراء إصلاحات سياسية بإشراف المجتمع الدولي بما فيها روسيا والصين.

نعم قد لا يعجب هذا الخيار الكثيرين ولكن ضياع الوقت في سوريا لغير صالح الحل السياسي سيلقي بظلاله على الوضع في المنطقة برمتها، الأمر الذي يجب أن يجعلنا نفكر خارج الصندوق الذي يُقيدُنا بخيار القوة العسكرية وخيار تغير النظام السياسي من الخارج بدلاً من التفكير بخيار التغيير من الداخل وفقاً لمعادلة كلمة الشعب.

 

Email