رئيس مصر الجديد ودول الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

دول الخليج العربي متوجسة من مصر ما بعد مبارك وخاصة مصر الإخوان المسلمين، وهي على حق في ذلك، حيث إن تجربتها مع مبارك كانت إيجابية، فمبارك هو الرئيس المصري الذي ربط مصلحة دول الخليج العربي بمصلحة بلده، وعمل مع دول الخليج كشريك وليس كمنافس، فلم يسعَ إلى استعدائها أو محاولة إثارة الخلافات معها كما فعل الرؤساء السابقون من الزعيم جمال عبدالناصر إلى الرئيس أنور السادات. فعبدالناصر أراد لنفسه تزعم العالم العربي بفكره.

وبالتالي سعى نحو تبني سياسات هجومية مع بعض الدول الخليجية في سبيل تحقيق هدفه ذلك، في حين أن السادات قصم ظهر العرب بذهابه إلى القدس وإقامته لاتفاق سلام مع من كان يُعتبر عند جميع العرب قبل ذلك بمن فيهم الخليجيون بالعدو. لقد أحب الخليجيون مبارك لأنه لم يسعَ إلى فرض أجندة مصرية عليهم، بل عمل معهم وفق أجندة عربية تحقق المصلحة المشتركة في العلاقات الدولية وتنظر بعين الاعتبار لمصلحة كل طرف.

كان هم الخليجيين هو وقوف مصر معهم في مواجهة الخطر الدائر في فترة الثمانينات والمتمثل في الحرب العراقية ـ الإيرانية ومحاولة احتواء ذلك الخطر بعيداً عن الوصول إليهم، ولعل الوقفة المصرية مع دول الخليج العربي ضد الاحتلال العراقي للكويت كان شاهداً على قوة العلاقة الرابطة بين مبارك ودول الخليج العربي.

وهي الوقفة التي لا يمكن للخليجيين نُكرانها لأنه ليس من طباعهم العربية والإسلامية الأصيلة. نعم لقد أخطأ مبارك في سياساته الداخلية ولكن ذلك لم يكن بسبب دول الخليج العربي التي لم تبخل عليه بالمال من أجل أن يستخدمها في تحقيق التنمية في بلده، والتي وفرت ملاذاً لمئات الآلاف من العمالة المصرية على أرضها، ولكن تعامل مبارك مع الأوضاع الداخلية في بلده كانت وراء الحالة السيئة للمجتمع المصري، فاللوم يُلقى على مبارك والشعب المصري الذي رضي بذلك وليس على دول الخليج العربي التي قدمت كل ما تستطيع من أجل مساعدة مصر وكسبها إلى جانبها.

دول الخليج العربي اليوم متخوفة كل التخوف من نظام ما بعد مبارك لسبب وحيد ووجيه وهو الخوف من أن يأتي مرسي بما أتى به عبدالناصر والسادات وهو فرض أجندة مصرية لا تتماشى مع مصلحة الدول الخليجية. دول الخليج ليس لديها مشكلة مع مرسي سوى أنها لا تود بأن يأتي بسياسات خارجية تضر بمصالحها وبقضاياها القائمة، فمرسي مرحب به في دول الخليج طالما أنه يأخذ في الحسبان مصالح الدول الخليجية عند تبني استراتيجياته المرتبطة بالسياسة الخارجية، بحيث لا تتضرر دول الخليج العربي من سياسة دولة عربية محورية بحجم مصر.

وعليه نقول بأن على مرسي إذا أراد أن لا يخسر دول الخليج العربي ـ التي تود وبكل شفافية التعاون مع رئيس مصر الجديد ومده بكافة أنواع الدعم التي يتطلبها في سبيل إنجاح وعوده عبر سياسات تنموية في مصر ـ أن ينظر بعين الاعتبار إلى أمرين مهمين، الأول هو ضرورة عدم التساهل مع كل ما يهدد أمن دول الخليج العربي واستقرارها.

وأن يعلنها صراحة بأن أمن مصر من أمن دول الخليج العربي وأن القاهرة لا يمكن أن ترضى بما يمكن أن يهدد أمن دول المنطقة. وبالتالي فإن علاقة مصر مع أية دولة ما كانت يجب أن تأخذ في عين الحسبان هذه النقطة وتعمل على ترسيخها. دول الخليج العربي ليست ضد توجه مصر نحو إقامة علاقات مع إيران.

لكن على الرئيس المصري أن يوازن الأمور من منظور المصلحة المشتركة للطرفين المصري والخليجي حتى يتمكن من كسب دول الخليج العربي، لاسيما وأن الرئيس محمد مرسي في أمس الحاجة إلى الدعم الخليجي لبرامجه التي أعلن عنها في حملته الانتخابية من حاجته إلى جهات أخرى.

والأمر الثاني الذي يجب على الرئيس مرسي أن يضعه في عين الاعتبار خلال فترته الرئاسية القائمة هو أن يفصل انتماءه الفكري لجماعة الإخوان المسلمين عن فلسفته في إدارة علاقته مع دول الخليج العربي، أي أن لا يحاول الترويج لفكر الإخوان في المنطقة الخليجية ويدعم توجهاتهم علماً بأن أنشطتهم محظورة في الدول الخليجية.

 دول الخليج دول محافظة وتعتمد على الفكر السياسي المحافظ في العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم وبالتالي لا يمكن أن ترضى بأنشطة جماعات أو جهات تسعى للإطاحة بتلك المعادلة. فعلى الرئيس المصري الجديد أن يحذر من هذا الأمر حتى لا يخسر دول الخليج العربي كما خسرها قبل ذلك عبدالناصر والسادات الذين حاولوا فرض أجندتهم وتوجهاتهم على دول الخليج ففشلوا.

 

Email