الحرب الإعلامية ضد «الإخوان» في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتشد مشهد انتخابات الإعادة المصرية بالكثير من الملامح العديدة، التي ترتبط في الأساس بحدة الصراع بين مرشح الإخوان المسلمين ومرشح النظام السابق.

ومما يزيد المشهد تعقيدا، وربما غرابة، الحيرة التي انتابت ملايين المصريين في الاختيار بين مرشح ينتمي لجماعة دينية، وآخر ينتمي للعسكر وبقايا الفلول . فالمصريون كانوا يفضلون مرشحا آخر لا يضعهم في مثل هذه الحيرة والخوف من المستقبل. وبغض النظر عن هذه الحيرة، فإن ما يلفت النظر هنا هو تنامي الحرب الإعلامية الهائلة ضد التيارات الإسلامية بشكل عام وضد الإخوان بشكل خاص، في تجاهل واسع المدى لحجم هذه التيارات على الساحة المصرية الآن.

لقد تصاعد الهجوم الشرس، وربما غير الأخلاقي، ضد جماعة الإخوان المسلمين، رغبة في النيل من مرشحها وتعظيم فرص مرشح النظام السابق. ويلاحظ أن هذه الحملة الإعلامية المنظمة ترتبط بالكثير من أجهزة الدولة السابقة، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية وفلول الحزب الوطني المنحل. ولقد تجاوزت هذه الحملة كل الحدود، ولم تلصق بجماعة الإخوان إلا ما هو سيئ ودموي ومستبد.

وهي صورة أقرب للغوغائية، كونها تتجاهل حجم الجماعة وتاريخها وانتشارها في كافة ربوع مصر، كما تتجاهل عملها الخيري المتواصل الموجه للفقراء والمحتاجين، بغض النظر عن ارتباطه بالدعوة للجماعة والترويج لها.

وفي الوقت الذي يتهم فيه الكثيرون الإخوان المسلمين بكونهم جماعة مغلقة، تستهدف من وراء أعمالها الخيرية توسيع قاعدتها وزيادة أعضائها، يتجاهلون أن ما قامت به الجماعة من عمل وتواصل لا يختلف في أي حال من الأحوال عما تقوم به الكنيسة المصرية من حشد لأبنائها بما يفصلهم بشكل كبير عن المشروع الوطني العام وربما الثوري، وهو أمر اتضح بشكل كبير في دعوات الحشد لمرشح النظام السابق والترويج له ضمن الجماعة القبطية المغلقة.

أما أسوأ جوانب هذه الحملة فهو إساءتها للإسلام بشكل غير مباشر، وتصوير تطبيقه بشكل مخيف يقترب في نواحٍ كثيرة من الحملات الغربية المسعورة ضده. وبالطبع فإن هناك تيارات يعجبها هذا الذم في الجماعة، يأتي في المقدمة منها حزب التجمع الذي أعلن تأييده لأحمد شفيق، في مفارقة لا ترتبط بأي مصلحة وطنية حقيقية، وفي تأكيد واضح على ورقية هذه الأحزاب وضعف تصوراتها في ما يتعلق بالصالح الوطني العام.

والغريب في الأمر أن المرء قد يبرر تأييد الأقباط لشفيق، لدواعٍ نفسية ترتبط بالنيل من جماعة الإخوان المسلمين، بغض النظر أيضا عن المصلحة الوطنية العامة. لكن المرء يندهش من تهافت رموز مصرية يسارية وليبرالية في التهافت على تأييد مرشح النظام السابق، خوفا وهلعا من وصول مرشح الإخوان لسدة الرئاسة في مصر، مع العلم بأن قرار مقاطعة الانتخابات كان من الممكن أن يمثل حلا جيدا لمثل هذه النخب، الراغبة بالأساس في العودة للنظام السابق وإضعاف الثورة.

من الواضح أن الخوف من الإخوان المسلمين لا يختلف عن الخوف الغربي منهم، فهو خوف غير مبرر، في ضوء كون الإخوان مجرد فصيل وطني ضمن باقي الفصائل الوطنية الأخرى. صحيح أنه ربما يكون الفصيل الأكبر، لكنه لا يستطيع أن يفرض رؤاه بشكل مطلق على باقي أفراد المجتمع المصري ككل.

ولنا في تغيير قواعد اختيار اللجنة التأسيسية للدستور، مثال يكشف عن قدرة باقي القوى الوطنية على فرض رؤاها على الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى. ويلاحظ هنا أن من يكيل الاتهامات المبررة وغير المبررة ضد الإخوان، يتناسى أن عمر الإخوان في الممارسة السياسية الفعلية هو عمر الثورة المصرية ذاتها، متجاهلا في ذلك ثلاثين سنة من عمر الفساد السياسي للنظام السابق، الذي أصبح أحد مرشحيه فجأة أفضل من مرشح الإخوان.

ومما يثير الدهشة أيضا، أنه في الوقت الذي يلاحق فيه مرشح النظام السابق العديد من الاتهامات الجنائية والسياسية التي توجب وقفه عن ماراثون الرئاسة، فإن مرشح الإخوان لا توجد ضده شبهات قانونية أو سياسية.

ورغم ذلك فإن بعض نخب اليسار والليبرالية تعلن عن تأييدها لأحمد شفيق، نكاية في الإخوان وضد أية مصالح وطنية فعلية. والغالب هنا أن هؤلاء كانوا أكثر ارتباطا على مستوى البنية النفسية والمصالح الشخصية بالنظام السابق، رغم ما كانوا يعلنونه ليل نهار من معارضة له.

لا يمكن لأي مطلع على المشهد المصري، أن ينكر حجم الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الإخوان المسلمون منذ بداية الثورة حتى الآن، لكن مواجهتهم بشكل يهدف فقط للنيل منهم وتشويههم، يعني أن المشهد السياسي في مصر يجتر أساليب النظام البائد في النيل من معارضيه والحط من شأنهم.

Email