الناتو الخليجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على أهمية منطقة الخليج العربي للأمن والاستقرار العالمي، فهي رئة الاقتصاد العالمي النابضة بما لا يقل عن أربعين في المئة من حاجته من النفط، ويوجد بها نحو 56% من الاحتياطي النفطي العالمي و40% من احتياط الغاز.

وبالتالي فإن أمن واستقرار منطقة الخليج العربي من المفترض أن يبقى في صلب اهتمامات كل من دول الخليج والمجتمع الدولي على حد سواء. وقصة أمن المنطقة ظلت دوماً مرتبطة بالتعهدات الدولية، حيث كان البريطانيون في البداية ثم جاء الأميركيون بعد ذلك. فكلا الدولتين الكبيرتين اعتمدت على إستراتيجيتها في تحقيق هدف أمن واستقرار المنطقة، لاسيما مع عجز الدول الخليجية عن القيام بهذا الدور. لقد لعبت تلك الدول دوراً بارزاً في تحقيق التوازن في القوة مع الدول المهددة لأمن واستقرار المنطقة سواء كان تلك القوة دولية أو إقليمية في المنطقة.

اليوم ومع استمرار حالة التهديد لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي فإن ذلك يحتم عليها تثبيت معادلة توازن القوة مع الدول الإقليمية المهددة لها وذلك من خلال تقوية التحالف الدفاعي في ما بينها من جهة وبينها وبين القوى الكبرى المؤثرة في النظام الدولي من جهة أخرى. دول الخليج مازالت تعتمد على الدول الكبرى لاسيما الغربية منها في عملية تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية من خلال رفع قدراتها العسكرية بالمقارنة مع القوى العسكرية للدول المنافسة لها إقليمياً

. المعروف أن الولايات المتحدة تلعب دورا حيويا في هذه المهمة، ومع تزايد التهديدات في المنطقة نتيجة لسعي بعض الدول الإقليمية للتوغل السلبي في شؤونها تبرز الحاجة إلى تقوية التحالف الدفاعي الخليجي من أجل أن تظهر دول الخليج كقوة تستطيع أن تحقق توازن القوة في المنطقة

. والحقيقة هي أن دول الخليج غير قادرة بنفسها على أن تقوم بهذا الدور، وهذا وضع ليس بجديد، حيث انها ظلت لفترة طويلة تعتمد على الدول الأخرى سواء الإقليمية أو الدولية لمساعدتها في تحقيق التوازن في القوة في المنطقة،.

لذلك فهي اليوم بحاجة إلى تحقيق هذا الأمر من خلال الدفع نحو تأسيس العمل الدفاعي المشترك بشكل أكثر تنظيماً مع الدول الكبرى الحليفة كدول الناتو من خلال ربما إنشاء منظومة دفاع خليجية على غرار منظومة معاهدة شمال الأطلسي أو حلف الناتو تشارك فيها دول الخليج العربية والدول الكبرى الغربية الفاعلة في النظام الدولي كالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية.

ناتو خليجي هو مطلب ضروري لثلاثة عوامل رئيسة، الأول هو أن دول الخليج غير قادرة على حماية أمنها واستقرارها بنفسها من دون دور فاعل من الدول الغربية الحليفة لاسيما مع غياب القوة الإقليمية القادرة على القيام بهذا الدور .

وثانياً لأن أهمية المنطقة الخليجية تفرض على المجتمع الدولي اعتبار أن أمنها واستقرارها مسؤولية دولية أكثر من أنها مسؤولية إقليمية لدولها، .

وثالثاً أن التهديدات لأمن واستقرار المنطقة في تزايد وليست في تراجع ولعل آخرها التهديد بإغلاق ممر مائي دولي بحجم وأهمية مضيق هرمز. فالمسؤولية الدولية تحتم على دول العالم الفاعلة بما فيها الدول غير الغربية أن يكون لها كلمتها في دعم أمن واستقرار المنطقة الخليجية.

فلا يعقل أن تقبل تلك الدول التهديدات لأمن منطقة الخليج لأن في ذلك إضرارا بأمنها واستقرارها هي كدول تعتمد على النفط الخليجي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية فيها.إن الدعوة إلى الاتحاد الخليجي التي أطلقها العاهل السعودي هي بداية طيبة نحو تحقيق مثل هذا الحلف في منطقة الخليج العربي.

لقد جاءت هذه الدعوة إيماناً من أن المنطقة تواجه تحديات أمنية خطيرة تفرض على دولها التعامل بشكل مشترك، .وعلى رأس هذه الأمور التعامل في المجال الدفاعي من أجل حماية أمن واستقرار دول المنطقة من خلال إنشاء منظومة دفاعية قادرة على تحقيق التوازن العسكري فيها

. دول الخليج بحاجة إلى الاقتناع بأهمية التعاون الدفاعي المشترك، وهي بحاجة أيضاً إلى ضمانات بأن هذا التعاون سيكون نقلة إيجابية وليست سلبية في مجال تنازل الدول عن بعض أجزاء من سيادتها.

ولعل الاستعانة بالولايات المتحدة للعمل مع دول الخليج في منظومة دفاعية مشتركة سيكون أكثر قبولاً باعتبار أن الولايات المتحدة تتمتع بعلاقات طيبة مع جميع الدول الخليجية.

وتستطيع أن تكون وسيطاً مناسباً بينهم وقائداً قادرا على قيادة المنظومة، تماماً كما كانت على الدوام قادرة على قيادة الدول الأوروبية في ظل حلف الناتو، .وقادرة على قيادة أمن واستقرار دول شرق آسيا في ظل الترتيبات الأمنية القائمة مع دوله.

ليس التعاون مع الدول الكبرى في سبيل تحقيق أمن المنطقة واستقرارها تقليلاً من سيادة الدول، فهذه أوروبا تعتمد على الولايات المتحدة في سبيل تحقيق أمنها واستقرارها، وهذه اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين تعتمد على الولايات المتحدة كذلك.

. منطقتنا ليست استثناء إذا ما أرادت لنفسها الأمن والاستقرار، فطالما تلاقت مصالحنا مع مصالح الولايات المتحدة فلماذا لا نتعاون في نطاق دفاعي يحقق لنا هذا الهدف؟.

 

Email