التحدي الخليجي الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظلت منطقة الخليج العربي تواجه دائماً تحديات عدة، ولعل السمة الأبرز في هذه التحديات أنها متطورة بمعنى أنه لا يكاد أن تمر فترة من الفترات من دون بروز تحدٍ جديد للمنطقة يضيف إلى مجموعة التحديات الأخرى الموجودة فيها من الأساس. وكأنه قد كُتب على هذه المنطقة أن تعيش دائماً حالة مواجهة التحديات. فالمد اليساري والخطر الشيوعي كان تحديا للمنطقة في فترة السبعينات، ومن ثم التهديد العراقي، فخطر الجماعات المسلحة وتأجيج الاختلافات الطائفية.

اليوم ومع بعض من تلك التحديات التي مازالت موجودة، يبرز في الأفق تحديان جديدان للمنطقة الخليجية أفرزتهما التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة العربية مع الثورات الشعبية. أول هذه التحديات هو وصول الجماعات الدينية إلى السلطة أو قدرتها على المساهمة في المشاركة فيها في جميع الدول التي شهدت تغيرات في نظامها السياسي. فصعود التيار الإسلامي للسلطة سيمثل تحديا للدول الخليجية بالذات.

حيث ان لمثل ذلك التيار وجودا علنيا ومنظما في جميع الدول الخليجية. فالإخوان المسلمون في دول الخليج مازالوا فاعلين ومنظمين في الحياة السياسية في كل من الكويت والبحرين، ولديهم محاولات للبروز في الدول الخليجية الأخرى إذا ما سنحت لهم الفرصة لذلك.

فمما لا شك فيه أن انتصارهم في مصر وتونس وليبيا سيعطي تلك التيارات ــ كالإخوان المسلمين ــ الدعم المعنوي الكبير لكي يُنظموا أنفسهم بشكل أكبر وليتواصلوا مع مركز التنظيم في مصر. وفي ذلك أيضاً إمكانية لتقديم قيادة التنظيم المركزي للدعم المعنوي والسياسي لمثل تلك الجماعات في الدول الخليجية. فالمرحلة القادمة ستمثل مرحلة تحدٍ جديدة لدول الخليج العربي من خلال صعود التيار الإسلامي ومشاركته في السلطة في بعض الدول العربية، علماً بأن التيار الإسلامي لاسيما جماعة الأخوان المسلمين تحمل في أجندتها رغبة في الوصول إلى السلطة.

أما التحدي الثاني الذي سيواجه دول الخليج خلال المرحلة المقبلة فهو بروز فكر سياسي جديد منافس للفكر السياسي الخليجي المحافظ وهو الفكر الليبرالي القائم على قبول التعددية السياسية وتداول السلطة. فجميع الدول العربية التي شهدت تغيرات جذرية في نظامها السياسي بدأت تتحول نحو إقامة نظام سياسي ليبرالي يعتمد على انتخاب السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وهو فكر جديد على الحالة العربية لم تشهده المنطقة الخليجية من قبل وهي التي لطالما قد تعودت على الفكر المحافظ. وعليه فإن انتصار الفكر السياسي الليبرالي في دولة مركزية كبيرة كمصر بالإضافة لدول عربية أخرى كتونس وليبيا واليمن ومن ثم سوريا سيمثل تحديا واضحا للدول الخليجية التي تعتمد على الفكر السياسي المحافظ.

وبالتالي ستصبح هناك إمكانية لتحالفات عربية جديدة، قوامها انقسام العالم العربي إلى دول الفكر السياسي الليبرالي ودول الفكر السياسي المحافظ كبديل عن انقسام العالم العربي إلى دول الاعتدال ودول التشدد. وعليه يبرز خطاب عربي جديد ترفع رايته دول الليبرالية السياسية في مقابل الخطاب المحافظ القديم الذي ترفع رايته الدول المحافظة. وستتضح نبرة هذا الخطاب بشكل كبير في خطابات القمم العربية .

والتي سيركز من خلالها أصحاب الخطاب الليبرالي السياسي على أهمية احترام حقوق الشعوب العربية في إبداء الرأي والمشاركة السياسية، وبين خطاب آخر يحاول الخروج من مأزقه الداخلي نحو مشاكل الأمة العربية الأكبر.

فالمبارزة ستكون بين خطابين احدهما هجومي وهو الخطاب الليبرالي والآخر دفاعي وهو الخطاب المحافظ. وهو ما لن يصب في مصلحة الدول الخليجية، التي ستتضرر من هذا الخطاب الجديد الذي لن يكل أو يمل عن وصف الحالة الخليجية بجميع الأوصاف السياسية السلبية.

وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قد يصل إلى المستوى الدولي، بحيث قد تميل الدول الغربية إلى الدول الليبرالية في العالم العربي باعتبارها دولا تشاطرها الفلسفة الفكرية السياسية وبالتالي تدعم خطابها في مواجهة الخطاب العربي المحافظ، وقد تنظر الدول الغربية إلى الممارسة الليبرالية السياسية العربية بأنها النموذج الذي يجب على الدول العربية الأخرى اتباعه، مما سيضر بموقف الدول المحافظة كدول الخليج العربي.

لذلك فإن التطورات التي تشهدها المنطقة العربية تمثل تحدياً واضحاً لدول الخليج العربي، التي وكما يبدو لم تُحسن التعامل معها، حيث آثرت المكاسب المؤقتة وقصيرة المدى على المكاسب الدائمة وطويلة المدى، والتي ستجد دول الخليج العربي نفسها في وسط تحديات جسيمة يصعب التعامل معها، وعزاؤنا هو في قدرة دول الخليج على تجاوز تلك التحديات، حيث ان التاريخ برهن لنا على قدرة دول المنطقة على تجاوز الكثير من التحديات الجسيمة التي واجهتها.

Email