دروس من فكر زايد للاتحاد الخليجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما جاءت دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الخليجية الأخيرة في الرياض لتعزيز دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتحول به من مرحلة التعاون إلى الاتحاد أعادت تلك الدعوة إلى ذاكرتنا الفكر الذي أصبحنا في دولة الإمارات العربية المتحدة نعيش من خلاله .

وهو الفكر الوحدوي للوالد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ويالها من دروس عظيمة يقدمها لنا هذا الفكر الذي يمكن أن ينير الطريق أمامنا نحن الخليجيين في السير نحو الاتحاد الخليجي، ولعلنا نستحضر هنا ثلاثة من الدروس الهامة التي يمكن أن تساعدنا في هذا المجال.

أول الدروس التي علمتنا إياها مدرسة زايد الوحدوية هو أن الوحدة تتطلب الإيمان بها والقناعة بحتميتها، لقد كان زايد رحمه الله مقتنعا كل القناعة بأن مصير إمارات ما كان يعرف بالساحل المتصالح أو المتهادن هو في وحدتها وليس في بقائها منفصلة عن بعضها البعض.

لذلك لم يتوان عن لعب الأدوار التي كان من شأنها إنجاح الوحدة وتعزيزها بين إمارات المنطقة. إن قناعته بأهمية الاتحاد هي التي أنجحت الفكرة، فتلك القناعة جعلته يتبنى الفكرة ويأخذ على عاتقه مسؤولية تحقيقها على أرض الواقع. فمن ينسى زياراته الشخصية رحمه الله وزيارات مبعوثيه المتكررة لإمارات الساحل ولبعض دول المنطقة من أجل إنجاح فرص إقامة الاتحاد.

فلولا قناعته ما كان يمكن لهذا الاتحاد أن يجد النور. لذلك نقول بأن أهم درس لدول الخليج العربي إذا ما أرادت للاتحاد الخليجي أن يجد النور هو في ــ أولاً وقبل كل شئ ــ أن تكون هناك قيادة خليجية مقتنعة كل القناعة بضرورة إقامة الاتحاد، وتصبح متبنية للفكرة بشكل كامل بحيث تعمل من دون كلل أو ملل نحو إنجاح إقامة هذا الاتحاد من خلال الترويج له بين الدول الخليجية تماماً كما فعل زايد رحمه الله بخصوص اتحاد الإمارات العربية المتحدة.

ثاني الدروس التي علمتنا إياها مدرسة زايد الوحدوية هي أن الوحدة ليست شعارات بل هي ممارسة وتطبيق تتطلب التضحيات في سبيل تحقيق الهدف المرجو. نعم لقد كان زايد منصفاً عندما أراد للاتحاد أن يقوم، فقد عمل على تقديم التنازلات لصالح إنجاح الاتحاد. فلم يبخل رحمه الله على الاتحاد بشئ بل كان مستعداً لتحمل كلفة الاتحاد، وكان واضحاً في جعل مصلحة الاتحاد فوق المصالح الأخرى.

لذلك لم يقف في وجه مطالب الإمارات في العديد من الأمور التي رأت بأنها ضرورية لها. بل لعب زايد رحمه الله دور الداعم لقيام الاتحاد وسعى لتحقيق التوزيع المنصف والعادل للأدوار بين الإمارات الأعضاء من دون أن يكون في باله رغبة الاستئثار بالمصالح والأدوار.

فإذا ما أراد الاتحاد الخليجي النجاح فإن على الدول الأكبر فيه أن تقدم التضحيات وتتنازل في العديد من المواقف للدول الأصغر، وعليها أيضاً أن تقدم الضمانات لتلك الدول بأن دورها محوري في الاتحاد وأن وجودها جزء أساسي من أجل إنجاح الاتحاد، تماماً كما فعل زايد رحمه الله في اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

وثالث الدروس التي علمتنا إياها مدرسة زايد الوحدوية هي أن بروز العقبات أمام فكرة الاتحاد لا تعني على الإطلاق نهاية الطريق بل هي حافز للسير في وضع الأسس التي يمكن أن تشجع الأخرين على الانضمام. نعم لقد فعلها زايد رحمه الله عندما .

وجد أن فكرة الاتحاد كالقارب التي تلاطمه الأمواج في يوم عاصف، ففضل ــ رحمه الله ــ أخذ زمام المبادرة مع أخيه المغفور الله بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين نجحا في زرع بذرة الاتحاد عندما شكلا الاتحاد الثنائي والذي أصبح النواة التي أتت بالآخرين لمناقشة فرص انضمامهم للاتحاد.

فإذا ما أراد الاتحاد الخليجي أن يجد النور فعليه أن يكون جادا في توجهه، ويبدأ في وضع اللبنات الأولى لهذا الاتحاد بين ــ على الأقل ــ من يرغب به في المرحلة الراهنة ويترك الباب مفتوحا للآخرين للانضمام إليه متى ما رأوا في ذلك مصلحة لهم، تماماً كما فعل زايد رحمه الله مع اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي ما زال بابه مفتوحا للأخوة الخليجيين للانضمام إليه وفقاً لمادة دستوره الأولى. ففكرة الاتحاد أينما كانت لا تتحقق إلى باقتناع الأطراف الأخرى بأن دخولها فيه أفضل من بقائها خارجه، فالاقتناع بالاتحاد هو شرط أساسي لنجاح تحققه بين جميع الأطراف.

إن فكر زايد الوحدوي يعطينا الكثير من الدروس التي يمكن أن تنير لنا كخليجيين طريق الوحدة المأمول تطبيقها فيما بيننا، لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية بأسرها. فما أحوجنا إلى دخول مدرسة زايد للنهل من فكرها الذي سيظل نبراساً ينير الطريق لكل من يسعى للوحدة.

 

Email