لماذا تراجعت شعبية الإخوان في مصر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أتفق مع الكثيرين الذين يتصورون أن ثمة تراجعاً هائلاً في شعبية الإخوان في مصر؛ فالتاريخ الطويل لجملة الممارسات الخاصة بهم على المستويين الديني والخيري، وأيضاً السياسي، العلني والسري، قد لعب دوراً كبيراً في خلق كوادر هائلة في كافة مناطق مصر، وخارجها على المستويين الإقليمي والعالمي. ولا يمكن للمرء أن ينكر حجم الخدمات الهائلة التي قدمتها الجماعة للمتعاملين معها من الفقراء والمعوزين، وأيضاً من الفئات المتوسطة في مصر، رغم الشبهات الكثيرة التي أحاطت بهذا العمل الخيري، وعلى رأسها الربط بين الانتماء للجماعة وتقديم المساعدة.

فالمبدأ الذي لا جدال فيه للجماعة هو "إننا سوف نساعدك شريطة ضمان ولائك لنا"، هذا الولاء الممزوج بالخضوع والطاعة العمياء. ويمكن القول إن الجماعة قد استفادت بشكل كبير، من ارتفاع نسبة الأمية في مصر وتدهور الأحوال الاقتصادية، الأمر الذي وفر لها الملايين من المصريين "الغلابة" الذين يسهل اجتذابهم والتلاعب بهم وبعواطفهم الدينية.

وبشكل خاص في دلتا مصر والمناطق العشوائية والفقيرة في القاهرة الكبرى، مع الوضع في الاعتبار أن هذا التلاعب يتم من خلاله الطعن في شرعية أي تيار آخر يخالف الجماعة ودعوتها، بما في ذلك المنشقون عنها. لذلك فقد كانت مممارسات الجماعة أقرب للمارسات السرية المغلقة، واتسمت باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يخالفها الرأي ويتعارض معها في توجهاتها وممارساتها المختلفة.

والرأي عندي أن الجماعة تواجه تراجعاً نسبياً في شعبيتها يصعب تقديره على وجه الدقة، خصوصاً في ظل عدم وجود استطلاعات حقيقية ورصينة للرأي العام يمكن الوثوق بها. لكن الحديث العابر مع رجل الشارع والتعليقات المتواترة على الإنترنت، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة تراجعاً في وضعية الإخوان المسلمين، كان من غير المتصور حدوثه وهم تحت قمع وهيمنة النظام السابق.

فلماذا تراجعت شعبية الإخوان بعد الثورة؟ ولماذا حدث هذا التراجع وهم في سدة الحكم، ولهم من التأثير وحرية الممارسة ما لم يحدث على الإطلاق طوال تاريخهم الطويل الذي يقارب ثمانية عقود؟

الواقع أن الإخوان كانوا جاهزين للانتخابات والوصول لسدة مجلس الشعب، وربما الرئاسة بعد أسابيع قليلة، بالملايين المؤيدة لهم على مستوى مصر، لكنهم لم يكونوا جاهزين على مستوى الرؤية السياسية الفعلية والواقعية، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الثورة ذاتها فاجأتهم مثلما فاجأت الجميع. فالإخوان القادرون على قيادة فروع متناثرة لهم في كل مكان، وعلى تفعيل العمل الخيري وتقديم الخدمات الطبية،.

فوجئوا بأنهم مطالبون بقيادة الدولة واتخاذ التشريعات المختلفة، وهي مسألة جاءت أكبر من قدراتهم وفهمهم لطبائع الأمور. ففرق كبير بين أن تدير مستوصفاً خيرياً للخدمات الطبية للفقراء والمحتاجين، وبين أن تدير مجلساً للشعب وتشرع قوانين جديدة.

والأمر الآخر المهم هنا، هو أن وصول سلفيي حزب النور للمجلس، كقوة ثانية كشرت عن أنيابها، أربك حسابات الإخوان، رغم ما يبدو من تقارب إيديولوجي بين الطرفين. فالواقع الفعلي قد أكد أن الصراعات تحتدم أكثر بين الاتجاهات المتقاربة، أكثر من الاتجاهات المتباعدة.

والمهم هنا أنه لا الإخوان ولا السلفيون كانت لديهم رؤية واضحة ومشروع قومي لقيادة مصر، فقد انحصرت رؤاهم في تهويمات أخلاقية تنشد تطبيق الشريعة على طريقة "الإسلام هو الحل" من دون أن يبينوا آليات تنفيذ ذلك وكيفية تطبيقه، وهو أمر أدى لممارسات كثيرة ساذجة ومخيفة للشعب المصري، الذي يميل إلى التسامح والدين الوسطي الذي لا يقيده ويتحكم في ممارساته.

كما أن الوصول لسدة مجلس الشعب أثلج صدورهم وقنن اندفاعهم الثوري، في الوقت الذي استمرت فيه القوى الأخرى تقدم المزيد من الضحايا، وتواجه المجلس العسكري في كل مكان، وتفضح ممارساته المختلفة وضعفه في قيادة شؤون البلاد. وهو أمر أفقد الإخوان الكثير من مصداقيتهم أمام المصريين، رغم دفاعهم المستميت عن أنفسهم وممارساتهم.

وقد انكشف ذلك بشكل كبير من خلال الانشقاقات المتواترة الحادثة في صفوف الجماعة، والكثير من الأخبار المتواترة التي كشفت عن ازدواجيتهم بين ما يقولونه وينهون الناس عنه، وبين ما يمارسونه في حياتهم الفعلية. ويأتي على قمة هذه الممارسات قيامهم بتقديم مرشح لرئاسة الجمهورية رغم تأكيدهم السابق على عدم القيام بذلك، وقيامهم برفض بعض تعديلات المواد الدستورية التي دعموها في وقت من الأوقات بالمخالفة لباقي القوى الثورية الوطنية، وما زاد الطين بلة هو ممارساتهم الشخصية التي تكشف كل يوم عن حصول الكثير منهم على الجنسية الأميريكية.

سوف يواجه الإخوان المزيد من التراجع في شعبيتهم، وإذا لم يعودوا إلى حضن الثوار والتيارات السياسية الأخرى بمنظومة التعاون والمشاركة، فإنهم بالتأكيد سوف يواجهون المزيد من الضعف، وربما التشرذم، في القريب العاجل!

Email