العدالة العراقية على المحك

يعمل السيد طارق الهاشمي نائباً لرئيس جمهورية العراق الجديد، ضمن مشروع أو تجربة أو برنامج المحاصصة الطائفية للحكم الذي أُنشئ بُعيد الغزو الأنجلو-أميركي للعراق.

وُجّهت إليه مؤخراً تهمة القيام(!) بعشرات الأعمال الإرهابية من التي تحدث في العراق بشكل يومي، وعلى مدار الساعة. أكثر دقةً، اتُّهم بالمساهمة شخصياً في احتضان ظاهرة الإرهاب، التي طرأت على العراق بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، عن طريق عناصر أمن حمايته الشخصية. لجأ أو هرب بجلده ونفسه إلى شمال العراق، مستعيناً بسلطة الأحزاب السياسية الكردية؛ وهي بدورها سلطة توطدت في المنطقة الشمالية بعد احتلال العراق عام 2003.

شهدت قضية السيد الهاشمي اصطفافاً وتخندقاً طائفييْن، نتيجةً لعملية فرز طائفي لفئات طفت على السطح مستغلةً ظلام الاحتلال الدامس للعراق. لا غرابة في ذلك، فالقيادات الفئوية الطائفية فعلت فعلها بالشعب العراقي، وحتى في الشعوب المجاورة والبعيدة، الهانئة ببعدها عن تعاطي وتداول الأنفاس الطائفية المسمومة المحمومة.

القيادة العراقية الرسمية الجديدة، تسهر على تغذية وتنمية وتشجيع الطائفية، قولاً وفعلاً ومساراً واستراتيجيةً. تأجيج النهج والحس الطائفي يجري على قدم وساق عبر كافة الوسائل المتاحة، خاصةً التثقيفية والتعبدية والإعلامية منها؛ ذلك عدا عن التعليمية الرسمية والتربية الأسرية.

حتى الآن لم يلق السيد الهاشمي من يستقبله، غير المحسوبين على الطائفة التي ينتمي إليها أو المناط بها، حسب التقسيم الطائفي الجديد لمن يقطنون منطقة الشرق الأوسط عموماً والخليج خصوصاً. بدأ رحلته بشمال العراق (إقليم كردستان)، شبه المستقل عملياً عن الحكومة المركزية، ثم تنقّل عبر الدول غير المحبذة طائفياً لدى القيادة العراقية الجديدة ودعائمها في الداخل العراقي وخارجه. لا يُعتقد أن الهاشمي سيتلقى دعوة من القيادات الإيرانية أو السورية أو حتى اللبنانية، التي باتت محسوبةً في صف القيادة العراقية.

القضاء العراقي الجديد مشهود له بالفئوية والطائفية والتسييس؛ واللجوء إليه أو الوقوع في براثنه عملية غير حميدة. يشهد بذلك خبراء قانون الداخل العراقي، والمراقبون عبر الإقليم والمنطقة والعالم. للسيد الهاشمي الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية نفسه من مصير مجهول، إذا ما أسلم نفسه لسلطة النظام الجديد القضائية. رأى بأم عينه ما جرى لحارسه الشخصي من تنكيل وتعذيب حتى الموت. أخرجت السلطات العراقية الرسمية تقريراً طبياً شرعياً، زعمت فيه أن الحارس الشخصي توفي نتيجة فشل كلوي؛ لكنها لم توضح السر في وجود عشرات الكدمات والرضوض على جسمه. حتى الإنتربول الدولي الذي توجهت إليه السلطات العراقية لاعتقال الهاشمي، رفض الطلب بحجة تسييس القضاء العراقي.

قضية السيد الهاشمي واحدة من عدد لا حصر له من القضايا التي تؤرق الكثيرين من المراقبين للشأن العراقي. تكشف القضية أن القيادات العراقية الحالية، غارقة حتى أعالي رؤوسها في مستنقع من أفعال النشاز الحضاري والقانوني، وفي كافة الاتجاهات.

يدل ذلك على أن العملية السياسية التي يسير عليها هؤلاء وُلدت مشوهةً مبتورةً، وبُنيت على أسس خاطئة. أكبر مصدر للخطأ هو اعتبار الطائفة والولاء الانفرادي المطلق لها، معياراً ومقياساً للوصول إلى سدة الحكم؛ هذا عدا عن التربع فوق قمة النقاء الروحي الإيماني.

لعل وعسى قضية السيد الهاشمي تسلط الضوء على كافة القضايا في المحاكم العراقية، في ما مضى وما يجري الآن وما سيجري مستقبلاً!

هنالك الكثير من الأرواح البريئة التي أُزهقت، وأعداد من الذين أودعوا السجون، وثمة أعداد من الذين لم يُحاكموا ولكنهم لقوا مصائرهم، إما في بيوتهم أو في الشارع أو في أمكنة أعمالهم. ذلك ما يساهم حقيقةً في تهيئة الأجواء للشعب العراقي، للحاق بموجة الربيع العربي التي تعم أرجاء واسعةً من العالم العربي؛ ربيع تغيير لا يوفر في طريقه أنظمةً تقليديةً أو حديثةً أو مستحدثةً.