مصر «كله على المكشوف»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالتأكيد مصر في أزمة ليس لها علاقة بثورة الخامس والعشرين من يناير، بقدر علاقتها بالقوى المشكلة للشارع السياسي الآن. فالواضح أن القوى المختلفة التي ساهمت في فعل الثورة سواء بقوة الزخم الثورية والرغبة في التغيير أو من خلال الدخول فيها بغرض الحصول على مكاسب معينة وعدم ضياع الفرصة التاريخية المواتية لها، تتصارع الآن وتحاول أن تلوي مقدرات الوطن وفقا لرغباتها الشخصية ومصالحها الضيقة.

 ويمكن القول ان القوى المتصارعة على الساحة المصرية تنقسم لثلاث أولها وأكثرها وضوحا وتبلورا وربما نفوذا وتأثيرا القوى الإسلامية على اختلاف التيارات الممثلة لها وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين والجماعة السلفية بغض النظر عن الأحزاب التي أنشأتها هذه القوى بعد الثورة والمتمثلة في الحرية والعدالة بالنسبة للأولى والنور بالنسبة للثانية. وثاني هذه القوى يشمل شرائح عديدة من الاتجاهات السياسية المتنوعة التي يمكن وضعها في سلة واحدة رغم الاختلافات العديدة في ما بينها والتي تشمل الاتجاهات الليبرالية واليسارية بدرجاتها المختلفة وتنويعاتها العديدة، وإن كان هذا لا يمنع وجود بعض الاتجاهات الدينية المنفتحة ضمن هذا التيار.

وأخيرا تأتي القوى الثالثة الأكثر عددا واتساعا والتي تشمل عموم الشعب المصري من كافة الشرائح الاجتماعية المختلفة. هذه هي التصنيفات التي تبلورت بعد الثورة بوضوح تام، وهي تصنيفات واسعة ومرنة لكنها تصف بشكل كبير واقع المجتمع المصري الآن. كما أن هذه التصنيفات، رغم السهولة التي تكشف عنها، فإنها لا تعكس التعقيدات الهائلة التي تبدو في العمق من المجتمع المصري وخريطته الاجتماعية المتشعبة.

ولقد ساعدت الثورة المصرية على إفلات كافة القوى المختلفة من قبضة النظام السابق، وهو ما أصاب المجتمع المصري بعد الثورة بانفجار قوى عديدة لم يعهدها من قبل تمثلت في العديد من التيارات الدينية والتيارات الليبرالية على وجه الخصوص. فلم يعتد المواطن المصري أن يرى هذا الكم من اللحى في الشارع المصري، والجامعات، ومؤسسات العمل المختلفة، كما لم يعتد الحديث أمامه جهارا نهارا عن الليبرالية وملحقاتها من العلمانية وغيرها من المصطلحات الجديدة على أذنيه.

ولم يقف الأمر على ذلك، فقد كشف كل اتجاه عن مشاريعه وطموحاته المختلفة، وبشكل خاص في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي حملت التيارات الدينية لأول مرة في تاريخها إلى قبة المجلس، مشيدة واقعا جديدا وغريبا بالنسبة للمواطن المصري الذي لم يرى طوال حياته سوى صورة الرئيس الحاكم المطلق والمسبحين بحمده ليل نهار.

وربما كان المشهد سوف يختلف تماما في مصر الآن لو تحرك الإخوان ومعهم السلفيون في اتجاه يستوعب التيارات السياسية الأخرى، ويعي تماما بأن الأيام دول، وأن ما تم تحقيقه بالانتخاب اليوم يمكن أن ينقلب غدا وينتقل لتيارات سياسية أخرى. لكن ضعف التربية السياسية ورداءة الفهم الديني أو رداءة الإدعاء به أوصلا التيارات الدينية إلى حالة من شهوة السلطة أوقعتهم في الرغبة العارمة في الاستيلاء على كل شيء بما في ذلك صياغة الدستور الذي يأتي بالتفاهم المجتمعي العام وليس بفرضه من قبل قوى على حساب قوى أخرى.

وما لم يضعه الإخوان ولا السلفيون في الحسبان، أن هناك ملايين أخرى في المجتمع أكبر عددا وأكثر تعليما وثقافة ودراسة من حشود الإخوان والسلفيين الذين يأتي حشدهم ضمن مشروعات الهيمنة الخاصة بهم، وضمن سياق الطاعة والولاء لقادتهم. ومما زاد الطين بلة وكشف ليس فقط عن مناورات سياسية عقيمة، بل عن كذب سياسي وتواطؤ غير مسبوق الدفع بمرشح يمثل الإخوان في انتخابات الرئاسة في ظل الحرب الضروس التي يشنها الإخوان على المرشحين المناوئين لهم والذين خرجوا من تحت عباءتهم ورفضوا ممارسات المرشد وأتباعه.

إن أهم ما فرضته ممارسات الإخوان والسلفيين في هذه الفترة الحرجة من التاريخ المصري المعاصر أنها كشفت المستور عن كافة التيارات المختلفة، فلم يعد يجدي فتيلا الضحك على عقول المصريين، ولم يعد يفيد توجيه الاتهامات للتيارات الليبرالية من خلال عباءة الدين وإدعاء الطهر والعفاف على حساب الآخرين المناوئين في الممارسة السياسية، فقط يجدي الصدق الذي يمثل أقصر طريق للتعامل مع حس الجماهير وقدرتهم على الفرز والانتقاء والمفاضلة.

ولعل هذا ما استطاع المصريون أن يكتشفوه من خلال ممارسات الإخوان والسلفيين الاستحواذية، وادعاءاتهم الكاذبة، ومناوراتهم غير المعلنة مع المجلس العسكري، ناسين أنه يمكن الضحك على الشعوب بعض الوقت ولكن ليس كل الوقت، فالمسرح الآن أصبح مكشوفا بدرجة غير مسبوقة حيث لا ينفع الكذب ولا تجدي المؤامرات؛ فهنيئا للشعب المصري بما فعله الإخوان والسلفيون، وعسى أن يفهم الكثيرون من الأتباع أن وصاية المرشد والقادة مغيبة للعقول ومدمرة للأوطان!.

 

Email