تأزّم الأوضاع وعبثية الحلول في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ بدء الاجتياح الأطلسي للعراق قبل ما يربو على 9 سنوات، لم تمر دقيقة واحدة على الشعب العراقي فيها ولو بعض استقرار. تُبحر سفينة العراق وسط خضم عال من الأمواج المتلاطمة القادمة من الداخل، والخارج القريب والبعيد.

لم تتمكن الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال، من توفير الحد الأدنى من التوافق والمصالحة الوطنية بين الكتل السياسية والطائفية المختلفة. لا بل تُوّجت الخلافات باستشراء الفساد وانتشاره، وتضخمه أفقياً وعمودياً، ليشمل جل مفاصل المؤسسات والرموز الرسمية والأهلية.

تم تجريب كافة الحلول الممكنة، بمشاركة محلية وإقليمية ودولية. قامت الحكومة العراقية بمحاولات يائسة ثمة خجولة، لتطبيق الحل الأمني. أهم تلك المحاولات اعتماد خطة فرض القانون، باستخدام الجيش والشرطة والاستخبارات. منذ عدة سنوات وخطة فرض القانون تراوح مكانها. أهم ميزاتها الاضمحلال والتراجع والانتكاسة، وعدم وضوح الرؤية فيها.

بشكل مكثف، تشهد المناطق العراقية انتهاكات خطيراً لحقوق الإنسان، يُنفذها مجهولون ومعروفون، تتراوح بين الاختطاف والحجز والتعذيب والتنكيل والقتل.

فشلت دول الجوار في التدخل لصالح الاستقرار واستتباب الأمن؛ في النهاية اتُّهمت الأطراف المبادِرة بالتدخل المشين في شؤون العراق الداخلية، وتأجيج الصراعات. ربما يكون العراقيون على حق في هذا الاتهام، إذ إن الوضع الداخلي في العراق لا يمكن الإلمام بمحتوياته ومعطياته، ولو بالحد الأدنى. هنالك كمٌّ إعلامي طائفي فئوي تحريضي، ساحق ماحق، لا يسلم من وقعه على الأرض لا القريب ولا البعيد.

تسيطر على العقلية العراقية الحالية، المشتتة بامتياز، أجواء شحن وتحريض على الانتقام والكراهية والفتن المشينة. هذه تبثها الطوائف التي طفت على السطح مع "تحرير العراق من قبضة النظام الدكتاتوري السابق".

الحلول الخارجية لم تكن أحسن حظاً، بالذات هدر العالم الغربي خاصةً، مئات المليارات من الدولارات في سبيل إيجاد حكومة متوازنة القرار والمسار، ترفد أجواء الاستقرار في المنطقة. كل المحاولات السياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والتنظيمية الداخلية لم تُجد نفعاً، ولو بالحد الأدنى. العراق اليوم يواجه كوارث في مختلف المجالات الصحية والغذائية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والخدمات العامة. تُستثنى من الوضع البائس ثلة من الذين ازدهروا وأثروا، كنتيجة مباشرة وغير مباشرة للاحتلال.

كعادتها، لا تمتلك الجامعة العربية عصاً سحريةً قادرةً على تغيير الأوضاع بين عشية وضحاها. لا بل إن الأوضاع الداخلية في معظم البلدان العربية، لا تسمح لوفود القمة العربية بتقديم شيء ذي اعتبار، لمساعدة العراق على التخلص من أوضاعه المزرية. على وهنها، ستواجه القيادات والدول العربية انتقادات حادةً من الأطراف المختلفة، تلقي باللائمة عليها في الإخفاقات الداخلية العراقية.

سوف يخرج كتّاب ومفكرون ومحللون، يتهمون العرب بتأجيج الوضع الملتهب أصلاً. سوف يلاقي بعض الفاشلين في الحكم العراقي ضالتهم في تحويل بعض اللوم على الوسط العربي، متهمين إياه بأنه ليس في مستوى الحدث والواقع، سياسياً واقتصادياً وإصلاحياً. أصلاً وتاريخياً، لم يتعدّ دور الجامعة العربية مرحلة تقديم النصح والإرشاد، واستنكار العيوب والمثالب الناجمة، وبشكل خجول.

الوضع في العراق معقّد، سهرت الطوائف والفئات المختلفة ليالي كثيرةً طويلةً، وعملت أكثر على تأجيجه بكل الوسائل المتاحة لها. وسائل الطوائف الإعلامية ما تنفك ليل نهار تبث حقداً وكراهيةً وضغائن، ونبشاً في قبور الماضي.

العراق اليوم كالرجل المريض بمرض عُضال، يحتاج إلى طبيب ذي مستوى متقدم من المعرفة والخبرة والحظ(!) للتعامل معه. يحتاج العراقي لمراجعة نفسه، واستخراج الاستنتاجات من وضع متأزم وصعب وعبثي، يراوح مكانه منذ تسعة سنين. يحتاج الساسة العراقيون إلى الشجاعة الكافية ليعترفوا بأنفسهم أمام الملأ بأن عمليةً سياسيةً، كهذه التي اندرجوا في إطارها أو جُنِّدوا لها، ما هي إلا ضحك على لحى وذقون وعقول من أسلموا إليهم أمورهم؛ طوعاً أو كرهاً، عن علم أو جهل بما جرى ويجري.

Email