انكشاف الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح أن عين الإخوان المسلمين هي على تحقيق هدف مؤسس تنظيمهم حسن البنا، في إحياء الخلافة الإسلامية التي لم يرق لأصحاب ذلك التفكير، قرار كمال أتاتورك بإنهائها في تركيا في عام 1924، ولم يرق لهم كذلك بروز الدولة الوطنية في أعقاب موجة التحرر الوطني من الاستعمار الأجنبي. لذلك عملوا سراً وعلانية على تشكيل نفسهم في تنظيم ديني ذي أبعاد سياسية، يسعى إلى إنشاء دولة إسلامية تمتد حدودها من إسبانيا غرباً إلى إندونيسيا شرقاً.

وعليه فإنه ليس من المستغرب أن تكشر حركة الإخوان المسلمين في مصر، في وجه أي هجوم يوجه لقادتها ولو كانوا قادة روحيين، كيوسف القرضاوي الذي أخذته كما يبدو العزة بنصر الإخوان المسلمين في مصر، لدعم نصرة إخوانهم من أصحاب الحركة في الدول العربية الأخرى، ليحققوا ما تحقق لإخوان مصر من نصر، حتى يتسنى لهم السير في تحقيق حلمهم الكبير في إقامة الخلافة الإسلامية على أرض المسلمين.

كان حرياً بالإخوان المسلمين وهم يمثلون الأغلبية في مطبخ الحكم وصنع القرار في مصر الجديدة، أن يكونوا على قدر المسؤولية في تعاملهم مع الدول الأخرى، لا سيما العربية منها والتي كانت دائماً تدعم مصر وشعب مصر. فبدلاً من أن يظهر علينا بعض عناصر الحركة بخطاب وعيد وتهديد، كان من الواجب عليها أن تخفي شراستها تلك وتبرز وجهها الدبلوماسي ـ الذي من المفترض أن يكون الواقع قد علمها إياه ـ وذلك من خلال رفضها لما جاء على لسان القرضاوي في حق دولة الإمارات، وبأن تعتبره على أقل تقدير رأياً شخصياً لا يمثلها، وتعلن صراحة أنها تحترم قرارات الدول الأخرى، لا سيما قرار الإمارات في ما تراه مناسباً لتحقيق أمنها واستقرارها، وأنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتتخذ إجراء واضحاً في حق كل من يسيء من عناصرها لعلاقة الدول العربية بمصر.

هذا ما لم يفعله حكام مصر الجدد، وللأسف الشديد، وهو ما يجعلنا في الدول العربية وخاصة في الدول الخليجية، نتخوف من ما يخطط له إخوان مصر وما يسعون إلى تحقيقه، ونتخوف من ما يعلنونه وما يضمرونه لنا في نفوسهم. إن هدف الإخوان المسلمين هو خلق أجيال جديدة من الإخوان في الدول العربية والمسلمة الأخرى، تأخذ على عاتقها رفع لواء الحركة داخل تلك الدول، في سبيل تحقيق الهدف الأكبر في إقامة الخلافة الإسلامية، الأمر الذي يجعل جميع الدول التي فيها نشاط للإخوان المسلمين، تتوجس من نوايا أتباع مثل هذه الحركة.

دول الخليج العربي هي دول ملكية تتمتع بوجود تصالح كبير بين الشعوب وحكامها، وساعد هذا التصالح على تحقيق درجة عالية من العدل والإنصاف، وأوصلها إلى الرشد في الحكم. لكن نجد من بيننا من ـ ولسبب معين ـ قد تحكمت في مشاعره الخُطب الرنانة والشعارات البراقة، التي يرفعها المنادون بالخلافة الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين، وكأنهم سيعيشون في عالم أفضل من عالمهم الحالي.

نعم، مثل هذه الخطب مناسبة لشعوب عاشت الظلم والفقر والقهر بسبب حكامها الفاسدين، ولكن في حالتنا الخليجية هذه الظروف غير موجودة والحمد لله، فنحن أكثر تعلماً، وأفضل صحة، وأغنى معيشة، وأسعد حياة من غيرنا بأشواط عديدة، فنحن أقرب إلى المثال بفضل العقد الجميل الذي يربط الشعوب بحكامها، فلماذا يظهر من بيننا من يود أن يكسر هذا العقد ويدخلنا في دوامة من التراجع والتخلف والاستبداد؟!

لقد جاءنا قبل أكثر من خمسين سنة، الفكر القومي بقيادة عبد الناصر رافعاً راية التحدي للدولة الوطنية ومنادياً بالوحدة القومية تحت لوائه، وعندما وقف الخليج في وجه تلك الدعوة كشر عبد الناصر عن أنيابه في مواجهتنا، واليوم يكشر الإخوان المسلمون عن أنيابهم في وجوهنا، لأننا قلنا بأننا دول لا نقبل بوجود تنظيمات سياسية ذات طابع ديني تعمل في أراضينا، وتستهدف الوصول إلى الحكم بشرعية غير الشرعية القائمة في ظل أنظمة الحكم في الدول الخليجية.

الخليج ليس بحاجة إلى تنظيم الإخوان المسلمين، فما تحقق على أرضنا من خير يفوق كل ما يمكن أن يحققه الإخوان بدعواتهم الرنانة. لذلك قد يجد الإخوان في دول الخليج تحدياً واضحاً لتحقيق هدفهم في السيطرة على العالم العربي تحت رايتهم، الأمر الذي قد يجعلهم يوجهون سيوفهم نحونا، في محاولة منهم لفعل ما حاول عبد الناصر في السابق أن يفعله، ولكن كما فشل عبد الناصر في تحقيق هدفه سيفشل مثل هؤلاء الإخوان في تحقيق هدفهم.

ولعلنا نحن في الخليج لا نلقي اللوم كثيراً على قيادات تنظيم الإخوان في الخارج، بل ما يحز في أنفسنا أن نجد من بيننا من يدين بالولاء لمثل هذا الفكر وقياداته في الخارج، وكأن الولاء ليس للوطن ودستوره، بل لفكر الإخوان وقيادته تلك.

لقد كشفت التطورات الأخيرة وتصرفات الإخوان، عن حقيقتهم التي وإن كانت تناسب الآخرين فإنها بالتأكيد لا تناسبنا نحن في منطقة الخليج. فحري بإخوان الخليج أن يعيدوا حساباتهم، وأن يعيشوا الإسلام الذي يرغبون في عيشه، تحت راية حكوماتهم الوطنية.

Email