مواجهات غير متكافئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بسبب المنهجيات "الشيطانية الهوجاء" للأطراف المحلية المتصارعة، وصل التنافس بين هذه الأطراف إلى مرحلة الصراع على الوجود والمصير. حولها تتصاعد المواقف الدولية في اتجاه المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، واللجوء للحسم العسكري.

الدول الأطلسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وإسرائيل، تحشد الإمكانيات والأساطيل في مياه الخليج العربي وبحر العرب، والبحرين المتوسط والأحمر. هنالك مراقبة متواصلة وعلى مدار الساعة، من الأقمار الصناعية وطائرات التجسس الأميركية والإسرائيلية، لما يجري على أراضي إيران وسوريا ولبنان. القطب الدولي الآخر متمثلاً بالصين وروسيا، يتمتع بموقف ضعيف يلامس الحضيض.

في ما سبق، تميزت الصين وروسيا بمواقف لا تُحسدان عليها حيال قضايا دولية مشابهة. في حلبة المواجهة الدولية، لا يوجد للصين تواجد عسكري فاعل خارج المياه الإقليمية الصينية والمياه القريبة منها. لروسيا حاملة طائرات وحيدة متواضعة الإمكانيات، تُبحر على هون في مواجهة أرمادا ضخمة من قطع الأساطيل الأطلسية. أضيفت إلى مسرح العمليات قطعتان بحريتان إيرانيتان، متواضعتا الإمكانيات كذلك، لا تنفعان كثيراً إذا ما زُجتا في أتون حرب تتطلب تقنية عالية.

استُنفدت الوسائل جميعها، حتى للجمع السلمي بين الأطراف المتصارعة؛ بالذات إيران وسوريا وحزب الله اللبناني من جهة، والإدارات الغربية وإسرائيل من جهة أخرى. أُغلقت الأبواب أمام الحلول السياسية والدبلوماسية والقانونية الدولية، والمنطقية الإنسانية.

الآن يتم ترجيح المواجهة السياسية العسكرية، حيث الباب مفتوح على مصراعيه أمام العديد من السيناريوهات. جل السيناريوهات يحمل نذر شؤم للنظامين الإيراني والسوري، المستهدَفين اللذين يتم الاستفراد بهما في ظل غياب الأقطاب الدولية الفاعلة.

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعتمدت الإدارة الأميركية، ومعها حلف الأطلسي والقوى الحليفة الأخرى، سياسة البلطجة المفتوحة. في ذلك واجهت وتواجه أنظمة ودولاً عديدة، السياسة الجديدة بكل ما تحمله من مرارة ومعاناة قد تستمر لأجيال قادمة. الآن يأتي دور سوريا قُبيل إيران وحزب الله اللبناني، وما يدور حولهما من كيانات أخرى أقل أهمية.

جنّدت إدارات الدول الأطلسية كل الإمكانيات المتاحة، ضد إيران وسوريا. لا يكاد المرء يرى فضائية عربية أو أجنبية واحدة ذات وزن، لا تقف في بثها ضد النظامين السوري والإيراني. الرأي العام الداخلي للكيانين المستهدَفين، يواجه زخماً إعلامياً شرساً متواصلاً. تواجه الشعوب المستهدَفة تحريضاً إعلامياً وسياسياً وحصاراً؛ جميعاً من شأنها جعل الشعوب تُعرِض عن حكامها وأصدقائها التقليديين، وتلجأ طوعاً لأعدائها، التقليديين كذلك.

لا يبدو هنالك من سبيل ينتهجه النظامان سوى الاستسلام، السياسي والعسكري، أمام الحملة الأطلسية الشرسة. قد يكون تعبير الاستسلام غير مستساغ، خاصة لنظامين دأبا على التباهي بشعارات ومفاهيم تمجّد الصمود والتصدي والكفاح والقتال حتى النفس الأخير، وغير ذلك.

لكن حقيقة على أرض الواقع، يبدو لهما الذهاب للمواجهة أقرب إلى الانتحار، الأقرب إلى الإجباري منه إلى الطوعي. عسكرياً وسياسياً، لا وجود لبصيص أمل بنصير قادر على أن يتدخل في حال دخل الصراع مرحلة اللاعودة. تمت وتتم محاصرة الطرفين المعانديْن والمشاكسيْن، في نظر السياسة الغربية غير المتوازنة، إلى مرحلة التحكم الصارم بتشديد الخناق على رقابهما.

حُيّدت كافة المؤسسات والأطراف الدولية، لا بل جُيّرت لصالح الهجمة الشرسة المتواصلة دون انقطاع. الأمم المتحدة تم تجنيدها بشكل جارف ضد النظام السوري، في التصويت الأخير بشأن المبادرة المطروحة. الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعمل بشكل مباشر وغير مباشر، منحازة ضد الملف النووي الإيراني، مدنياً كان أم عسكرياً. تتوافق وجهة نظر الوكالة الدولية للطاقة بشكل واضح مع وجهة النظر الغربية والأميركية، بشأن خطورة الملف النووي الإيراني على السلم المحلي والإقليمي والدولي. بقية الهيئات الدولية، مثل حقوق الإنسان والعفو الدولية، لا تقل انحيازاً ضد النظامين. هذا قطعاً لا يعني أن ليست هنالك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في إيران وسوريا.

بشكل إجمالي عام، دارت وتدور الدوائر المحلية والإقليمية والدولية على النظامين السياسيين في إيران وسوريا. بات العالم ينتظر الآن نهاية نظامين طالما وقفا صامدين ضد مشاريع الإمبريالية الدولية وأنواع وأشكال الغزو والاحتلال، بالمال والسلاح والتعاطف الوجداني والدعم المعنوي والإعلامي، حتى ولو بشكل صوري عبثي كما يصوره البعض.

 

Email