سوريا والمصالح المتضاربة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن اندلعت الأحداث في سوريا مع الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات النظام السياسي ضد المتظاهرين من المدنيين السوريين، برز تضارب واضح في المصالح بين العديد من الأطراف الدولية، أثر بدوره على النظرة في كيفية التعامل مع الوضع في ذلك البلد. الأمر الذي أصبح ينذر بمستقبل غير واضح لمصير الثورة السورية في مواجهة النظام السياسي.

وأصبحت شرارة الحرب الأهلية تحوم ببريقها على الأرض السورية مع كل يوم تستمر فيه حالة التضارب في المصالح. فغياب التوافق حول أحداث سوريا وكيفية التعامل معها يعطي دافعاً قوياً للتوقع بأن الأمور لن تسير بالشكل الذي يأمل به الشعب السوري نحو تحقيق طموحه في العيش بأمن وسلام في ظل الحرية والكرامة التي تحكمها أسس وقواعد حقوق الإنسان.

وعند قراءة المصالح الدولية المختلفة في سوريا نجد أن دخول إيران وروسيا على الخط أزم من الوضع وأعطى النظام السياسي السوري حافزاً قوياً للاستمرار في سياسته لضمان بقائه

. إيران الحليف الاستراتيجي لسوريا تنظر إلى سوريا بوصفها ذراعها في المنطقة العربية، فمن خلال سوريا نجحت إيران في إنشاء حزب الله في جنوب لبنان في ثمانينات القرن المنصرم ليكون السيف في وجه إسرائيل من جهة والخنجر في خاصرة لبنان من جهة أخرى.

ومن خلال سوريا تمكنت إيران من تكوين نفوذ لها في الساحة الفلسطينية عن طريق حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس. لذلك فإن سقوط النظام الأسدي في سوريا يعني خسارة كبيرة لإيران ونفوذها في المنطقة العربية.

ولا ننسى أن التخوف الإيراني من ما يحدث في سوريا مرده أيضاً الخوف من استمرار نجاح الثورات الشعبية في المنطقة بطريقة قد تنقل العدوى إلى الداخل الإيراني لاسيما أن إيران على أعتاب انتخابات رئاسية وبلدية في العام المقبل.

أما عن روسيا فالمحرك الأساسي لموقفها الداعم لنظام الأسد يعود إلى مجموعة من الاعتبارات أهمها الرغبة في عدم فقدان نفوذها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. سوريا حليف استراتيجي لروسيا حيث ان لروسيا قاعدة بحرية تعمل من خلالها منذ السبعينات في طرطوس وتعمل منذ فترة على تطويرها، وتعتبر سوريا من الدول الرئيسة المستوردة للسلاح الروسي.

بالإضافة إلى أن روسيا أدركت خسارتها لنفوذها في المنطقة مع سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا وبالتالي لا تريد تكرار ما حدث هناك في سوريا. روسيا تحاول البروز كلاعب دولي قوي في مواجهة الولايات المتحدة ولا تود أن تخسر ورقة تحالفها ووجودها في سوريا في مواجهة الآخرين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

وشأنها كشأن إيران لا تريد روسيا للثورات الشعبية النجاح لاسيما في دولة قريبة من منطقة آسيا الوسطى حيث يمكن أن يكون نجاح الثورة حافزاً لاندلاع ثورات في دول قريبة من روسيا ومن ثم تصيب العدوى روسيا ذاتها التي يتذمر جزء لا بأس به من شعبها من سياسات وتصرفات فلاديمير بوتين «الاستبدادية».

وهناك بالطبع تركيا التي تجاور سوريا وتخشى من ما يحدث فيها لأنه سيؤثر عليها تلقائياً. تركيا لا تود لحالة الاحتقان أن تستمر في سوريا ولاسيما ما يقوم به النظام ضد الشعب السوري السني الذي يرتبط مذهبياً وعائلياً وعاطفياً بعلاقات قوية مع تركيا. فاستقرار سوريا مطلب لتركيا، ولكن النفوذ الإيراني في سوريا يقلق تركيا التي تفضل تراجع ذلك النفوذ لصالحها إيماناً منها بأنها في حالة تنافس مع إيران للنفوذ في المنطقة العربية.

ومع نجاح الثورة التونسية والمصرية في الإتيان بالتيارات الإسلامية السنية لكرسي القيادة فإن رغبة تركيا تبرز في أن تصبح سوريا أيضاً دولة يقودها التيار الإسلامي القريب بفكره من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وتصبح تركيا هي النموذج وتقطع بالتالي الطريق أمام إيران ونفوذها في المنطقة العربية.

وهناك الدول العربية التي هي في حد ذاتها منقسمة بين ثلاثة تيارات في التعامل مع سوريا. التيار الموالي لنظام الأسد وتتزعم هذا التيار لبنان نظراً لحالة الوضع الحساس في ذلك البلد الصغير وسيطرة حكومة موالية لدمشق في لبنان. وهناك دول كالعراق والتي تتحسس من ما يحدث في سوريا المجاورة رغبة من قبل حكومتها في عدم تقويض سيطرة الشيعة على الحكم فيها.

وهناك معظم الدول العربية الأخرى والتي وقفت مع ضرورة الاستجابة للمطالب الشعبية بتغير النظام بداعي أنها دول تدعم مطالب الشعوب كمصر وتونس واليمن والمغرب والأردن، ودول أخرى ترغب في تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة كدول الخليج العربي.

وبين تلك المواقف يبرز الموقف الأميركي الأوروبي، وهو الموقف الداعم لتغير النظام ولكنه لا يفضل التدخل العسكري المباشر كما كان في حالة ليبيا إلا في حال وجود موقف دولي موحد إزاء ذلك الوضع. ولعل الاستراتيجية التي تتبعها إدارة الرئيس أوباما في الابتعاد عن أخذ زمام المبادرة على المستوى العالمي والتحول نحو إشراك القوى الفاعلة في العالم ساعدت روسيا على اتخاذ موقف متشدد تجاه سوريا إدراكاً منها بأن الولايات المتحدة لن تتجه نحو العمل الأحادي أو العمل المشترك خارج إطار الشرعية الدولية.

ولعل عدم الحماس الإسرائيلي لتغير نظام الأسد والتخوف ممن سيأتي لاحقاً لحكم سوريا لا يجعل الأميركان متحفزين لموقف متشدد تجاه نظام الأسد.

في ظل اختلاف كل تلك المواقف والمصالح مما يجري في سوريا يبرز موقف نظام الأسد الساعي وبكل ما يملك من قوة للبقاء في الحكم وعدم التنازل عنه بأي ثمن، وهو ما تعكسه لنا طريقة تعامله مع المطالب الشعبية بالوعود الرنانة واستخدام الآلة العسكرية الثقيلة لترويع المدنيين.

ولا يبدو أن النظام السوري متشكك في قدرته على الاستمرار في التشبث بكرسي الحكم لأنه يدرك بأن لديه من الآلة العسكرية ما يمكن أن يمد من عمره لفترة طويلة، وأن لديه دعما عسكريا من قوة إقليمية رئيسة كإيران، ودعما سياسيا من قوة عالمية رئيسة كروسيا. فالمواقف الدولية المتضاربة كفيلة ليس فقط بأن تبقي نظام الأسد لفترة ليست بقصيرة، وإنما كفيلة أيضاً بإدخال البلد في دوامة حرب أهلية تجعل من سوريا لبنان جديدا.

 

Email