الذيول أخطر من الفلول

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في لسان العرب أن الفلول هم القوم المنهزمون، لذلك فإنهم يحاولون العودة إلى ما كانت عليه أوضاعهم فيما قبل الهزيمة التي لحقت بهم. وانتشر هذا التوصيف بشكل خاص في أعقاب الثورة المصرية من خلال المحاكمات الشعبية غير الرسمية التي سعت خلف اتباع النظام السابق والمستفيدين منه متهمة إياهم بالانتهازية السياسية والفساد وحصولهم على العديد من المناصب العليا والكثير من المزايا المادية والعينية.

وفي الواقع فإن هذا اللقب أثار العديد من المشكلات السياسية، وربما الأخلاقية، من حيث ارتباط غالبية المصريين بنسب متفاوتة بالنظام السابق. لذلك فإن هذا اللقب ارتبط بتوصيف أفراد حصلوا على أعلى المناصب كما ارتبط أيضاً بآخرين كانوا في أدنى السلم الوظيفي لكنهم استطاعوا تفعيل مكاسبهم واستغلال الآخرين من طالبي الحاجات وبشكل خاص في المصالح الحكومية المختلفة. فعلى سبيل المثال فإن رئيس المجلس العسكري الآن في مصر، وبعض الوزراء الحاليين، والنائب العام، وغيرهم كثيرين، ممن يمارسون مهامهم الوظيفية المختلفة الآن، كانوا من سدنة النظام المنحل.

 كما أن العديد من القضاة وأساتذة الجامعات من بين أركان النظام السابق سياسياً وربما معنوياً ساهموا أيضاً بدرجة أو بأخرى في خدمة النظام السابق، بل إنهم ساهموا بوعي تام في تسويق مشروع التوريث السياسي. إضافة إلى ذلك هناك الملايين من صغار الموظفين ممن اتفقت مصالحهم والتحمت ببنى النظام السابق وعاثوا في الأرض فساداً من خلال الرشى والمحسوبيات والمجاملات. فهل يتساوى توصيف الفئة الأولى والثانية مع الثالثة على أنهم فلول، وهل تختلف التوصيفات في ضوء المصالح المكتسبة وحجم التأثير والهيمنة التي يكتسبها الأفراد من خلال علاقاتهم مع النظام السابق.

بداية فإن توصيف كل من عمل ضمن النظام السابق على أنه فل «مفرد فلول» توصيف فيه قدر كبير من الغباء السياسي والمزايدة الثورية. فالكثير من المصريين كانوا يعملون ضمن المؤسسات الحكومية ويتولون العديد من المناصب العليا والدنيا بما لا يعني أنهم فلول للنظام السابق، حيث يؤدون أعمالهم مثلهم مثل غيرهم ممن يعملون في أي قطاع آخر.

لكن الفارق هنا يكمن في أن البعض سعى سعياً حثيثاً للارتباط بالنظام السابق، وانتمى إلى حزبه ومؤسساته السياسية المختلفة، وهو ما أدى لصعوده السياسي من ناحية وارتقائه للعديد من المناصب التي لم يكن يحلم بها وهو ضد النظام أو حتى على الحياد منه ومن مشروعاته الرجعية المختلفة. فالعديد من أساتذة الجامعات على سبيل المثال ارتموا في أحضان الحزب الوطني ولجانه المختلفة، وسوقوا مشروعات التوريث السخيفة وهو أمر صعد بالبعض منهم بشكل صاروخي غير متخيل، كما أنه أغدق عليهم أموالاً ضخمة، ناهيك عن الامتيازات المادية المختلفة مثل الأراضي والشقق والسفر للخارج والمناصب الدولية المختلفة.

وفي هذا السياق، لا بد من مراعاة تلك الفروق الهائلة في علاقات المصريين بالنظام السياسي السابق بما يعني درجات كثيرة ومتباينة من درجات «الفلولية». فالبعض سعى مبكراً في حياته للارتباط بالنظام، وتنازل عن كل شيء، عن علمه وأخلاقه وآرائه ومبادئه من أجل خدمة النظام السابق وإثبات الولاء له بغض النظر عن تأثير ذلك عليه إعلامياً وجماهيرياً؛ فقد أصبح النظام هو السيد الأعلى، وهو البدء والمنتهى. وهذه النوعية للأسف لم يقف ضررها فقط على نفسها وسمعتها بل إنها أضرت بمصر بشكل كبير داخلياً وخارجياً.

والبعض الآخر لم يهتم بالانتماء المبكر للنظام سياسياً لكن النظام سعى إليه وجذبه عبر سياسة العصا والجزرة، فآثر أن يلقف جزرة النظام في منصب هنا أو مزية هناك. وهذا البعض كانت آثاره السلبية مرتبطة بالوقت الذي قضاه في أحضان النظام، حيث حصل على بعض الفوائد لبعض الوقت مفضلًا الانسحاب من العمل السياسي أو مفضلاً الانزواء أو مستقبلًا خطاب الشكر القادم له من الهيئات السياسية للحزب الوطني السابق.

المشكلة لا تكمن سياسياً في الفئتين السابقتين لكنها تكمن في الذيول التي لم تظهر إعلامياً أو سياسياً بما يمكننا من التعرف عليها؛ فهؤلاء يشكلون شريحة كبيرة من المصريين ارتبطت مصالحها اليومية بدرجة أو بأخرى بالنظام السابق وطبيعة تركيبته السياسية الاقتصادية الهلامية والطفيلية. هؤلاء يمكنهم التعايش مع أي نظام سياسي، كما يمكنهم قلب الثورة رأساً على عقب وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه في ظل النظام السابق من خلال ممارساتهم اليومية القائمة على الغش والرشوة والكذب وتغيير الآراء والتلون وفقاً للموقف المعيش. والخلاصة أنه من دون توجه اقتصادي سريع يرتبط بوضوح سياسي جيد لا يقف عند فتاوى الشيوخ وضحالة النواب الجدد فإن ملايين الذيول سوف تكشف عن نفسها بسهولة ويسر وتمهد الطريق لعودة الفلول مرة أخرى. وقى الله مصر شر الذيول وأنياب الفلول!!

 

Email