إسرائيل ووقف الطموح النووي الإيراني

ت + ت - الحجم الطبيعي

سرعان ما برز ملف البرنامج النووي الإيراني على الساحة الدولية من جديد، بعدما استطاعت أحداث ما يعرف بالربيع العربي أن تشغل المجتمع الدولي بعيداً عن تطوراته.

حيث بدأت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تفرض حزمة عقوبات على إيران ترتبط بقطاعها النفطي، وأعلنت الولايات المتحدة صراحة من خلال سياستها الدفاعية الجديدة، أن إيران ونتيجة لبرنامجها النووي، تعتبر دولة مهددة للمصالح الأميركية، وعليها بالتالي أن تتعامل معها بحزم أكبر. لذلك دخلت كل من الولايات المتحدة وإيران في دوامة لعبة المعادلة الصفرية.

والتي ينظر من خلالها كل طرف للطرف الآخر بعين الخوف، حيث إن واشنطن تعتبر أن الاستمرار في التخصيب يعني فتح الباب على مصراعيه لإيران للتسلح النووي، فيما تعتبر طهران أن العقوبات الغربية تسعى إلى تحقيق هدف تغير النظام الإيراني.

ولا يوجد ما يمكن أن يربط الطرفين في صيغة معادلة للتعاون بينهما وفقاً لهذا المنطق، الأمر الذي يفتح المجال أمام كل التكهنات حول ما يمكن أن يؤول إليه التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. ولعل المتأمل لجميع الخيارات المتاحة، يستطيع أن يخلص إلى فرضية أن وقف الطموح الإيراني لامتلاك السلاح النووي، هو في يد إسرائيل لو أنها تعاملت مع هذا الملف بعقلانية.

إن المشهد الحالي يشير إلى مجموعة من السيناريوهات لمستقبل البرنامج النووي الإيراني، فهناك سيناريو التصعيد، حيث إن المزيد من العقوبات على إيران سيؤدي ـ كما يرى البعض- إلى عزلها وجعلها أكثر قرباً إلى التصعيد في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، من خلال محاولة إغلاق مضيق هرمز والتأثير على الملاحة في الخليج العربي.

هذا الخيار أقرب إلى أن تتبعه طهران من أن تبدأ به واشنطن، فواشنطن ليست لديها النية في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، لأن تواجه إيران في حرب عسكرية تعلم جيداً أن تبعاتها ستكون خطرة جداً على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها. لذلك نجد أن الزيارات الرسمية لقادة عسكريين وسياسيين أميركيين لإسرائيل في الآونة الأخيرة.

قد جاءت من أجل ثني تل أبيب عن الإقدام على خطوة توجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي، لأنه وبكل بساطة لو حدث أن وجهت إسرائيل ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، فإن ذلك سيجعل الولايات المتحدة تدخل طرفاً في الحرب كداعم لإسرائيل، مما سيضر بواشنطن وحلفائها، لا سيما وأن طهران ستعمل على نقل المعركة إلى خارج أراضيها ونحو دول حليفة لواشنطن.

وهناك سيناريو الاستمرار في فرض عقوبات نوعية على إيران، من أجل الضغط على القيادة السياسية فيها لتغيير نهجها وأسلوبها في التعامل حول برنامجها النووي. الحكومة الأميركية الحالية تعتقد أن هذا الخيار هو أفضل الخيارات.

حيث إن الضغط على الحكومة الإيرانية سيولد ضغطاً شعبياً من شأنه أن يضعف القيادة السياسية الإيرانية ومواقفها المتشددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مساعدة الثورة الشعبية في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، من شأنه ـ وفقاً لهذا السيناريو- أن يلقي بظلاله سلباً ويضعف الحضور الإيراني في المنطقة العربية.

ويفرض على طهران الرضوخ للمطالب الدولية، إما بوقف تخصيب اليورانيوم والعودة إلى المحادثات، أو ربما العودة إلى للمقترح التركي-البرازيلي الذي تم طرحه في مايو 2010، لنقل اليورانيوم الإيراني المخصب بدرجة أقل إلى تركيا، ومبادلته بيورانيوم مخصب بدرجة أعلى لاستخدامه في الأبحاث الطبية من قبل إيران، أو ربما قبول المقترح المصري-القطري بإنشاء بنك إقليمي للوقود النووي تشترك فيه جميع الدول في المنطقة.

ولكن الواقع يشير إلى أن الفرصة كانت سانحة للولايات المتحدة لقبول تلك التحركات ودعمها في السابق، إلا أن الإدارة الأميركية لم تحرك ساكناً، مما يجعلنا نعتقد أنها على الأرجح لن تكون داعمة لمثل تلك المبادرات.

وهناك بالطبع سيناريو أن تصبح إيران دولة نووية عسكرياً، وتضع العالم أمام الأمر الواقع، كما فعلت كوريا الشمالية. إن هاجس امتلاك السلاح النووي لدى القيادة الإيرانية، مرده ردع الخطر الغربي عن سعيه لتغيير النظام في إيران، مما يجعل البعض يظن أنه لا خطر من امتلاك إيران للقدرة النووية، لأنها لن تستخدمها في فرض نفوذها قدر ما أنها ستستخدمها للحفاظ على استمرار وديمومة نظامها. ولكن ما يُخشى منه أكثر هو أن ذلك سيفتح المجال لسباق تسلح نووي في المنطقة، حيث لا يمكن لدول خليجية كبيرة كالسعودية، وبعض الدول العربية الرئيسية كمصر.

وأخرى إقليمية كتركيا، أن تقف مكتوفة اليدين من دون أن يكون لها سعي نحو تحقيق التوازن العسكري مع إيران، من خلال امتلاك السلاح النووي أو زيادة التعاون والتحالف مع الولايات المتحدة والدخول في مظلة الحماية النووية الأميركية. كما أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيعطي تل أبيب المبرر لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، مما سيجعل طهران ترد بشكل لا عقلاني لضرب المصالح الإسرائيلية والغربية في مختلف مناطق العالم.

إلا أن الواقع يشير إلى أن منطقة الخليج العربي خاصة والمنطقة العربية عامة، لا تتحمل هذا العبء الكبير من التنافس النووي العسكري، لذلك فإن جعل المنطقة خالية من السلاح النووي هو الخيار الأبرز والأنسب. وهذا الخيار مرتبط أساساً بقدرة الأطراف الدولية على إقناع إسرائيل بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، وهو التوجه الذي ترفضه تل أبيب من منطلق أنها دولة لم تعلن صراحة امتلاكها القنبلة النووية، رغم أن جميع المؤشرات تشير إلى أنها تمتلك تلك القدرة.

إن مثل هذا الخيار سيجعل الجميع يعيش بأمان، بما في ذلك إسرائيل التي لن تصبح بحاجة إلى وجود السلاح النووي، باعتبار أنها تقع تحت حماية المظلة النووية الأميركية. بالطبع إسرائيل لا يمكنها الموافقة على مثل هذه الخطوة من دون إشراك دول مجاورة للإقليم ولديها السلاح النووي، كباكستان والهند. لذلك فإن تجمعاً دولياً إقليمياً يعمل على تحقيق هدف جعل المنطقة بأسرها خالية من السلاح النووي، هو المطلب الأبرز لحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني.

ولكن ذلك يتطلب التفكير العقلاني من قبل القيادة الإسرائيلية لهكذا مسألة، لتجعله على طاولة الحوار كخيار من الخيارات التي من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة. فليس من مصلحة إسرائيل على الإطلاق أن تصبح إيران ومصر والسعودية وتركيا دولاً نووية عسكرياً، بل مصلحتها في عدم وصول السلاح النووي لأي من تلك الدول.

ولا يمكن ضمان عدم تحقق ذلك إلا بالعمل المشترك على التزام جميع الأطراف بالتخلي عن برامجها النووية ذات الطابع العسكري، وعن طموحاتها لامتلاك مثل تلك البرامج. وهذا ما لا يمكن أن يتحقق من دون أن تتخذ تل أبيب خطوة جريئة في هذا المجال، وتعمل على تحقيق سلام شامل مع دول المنطقة.

Email