الجزائر والربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

استطاعت الجزائر أن تنجو من آثار الربيع الديمقراطي العربي بعدما استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يمتص الغضب الذي سادها في شهري فبراير ومارس الماضيين، وهي الآن على أعتاب الانتخابات البرلمانية المقرر لها أن تجرى في الربيع المقبل.

 وهذه التطورات تفتح الباب أمام تساؤلات أسباب نجاة النظام الجزائري من آثار الربيع الديمقراطي العربي، وما إذا كانت الانتخابات البرلمانية المقبلة ستدخل الجزائر في هذا الربيع عبر صناديق الانتخاب.

أما عن أسباب نجاة النظام الجزائري من هذا الربيع فترجع إلى عدة أسباب أولها أن أداءه الاقتصادي كان ناجحاً، وقد يكون ذلك بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والبترول، أو لتحسن الأداء الاقتصادي لحكومات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أو للسببين معاً، ولكن هذا النجاح أوجد للنظام قاعدة اجتماعية سياسية، في الوقت الذي تآكلت فيه القاعدة الاجتماعية السياسية للأنظمة التي انهارت في الربيع الديمقراطي العربي أي النظامين التونسي والمصري.

وثاني وأهم أسباب نجاه النظام الجزائري من تبعات هذا الربيع الديمقراطي هو أن النظام تماسك ولم يتفكك، وظلت المؤسسة العسكرية داعمة له، على عكس ما جرى في كل من مصر وتونس حينما تخلى الجيش عن رأس النظام في الأولى وعن النظام بكامله في الثانية. أما ثالث الأسباب فهو أن الدول التي انهارت نظمها في الربيع الديمقراطي العربي، كانت كل القوى السياسية في جانب والنظام نفسه أو الحزب الذي يعبر عنه في الجانب الآخر.

أما الجزائر فهي مازالت تشهد حالة من التماسك السياسي، حيث إن القاعدة الحزبية التي يقف عليها النظام مازلت واسعة، وهناك أحزاب صغيره هي التي تقود المعارضة، كما أنها لم تشهد نمو حركات اجتماعية أو شبابية كبيرة مثلما عيه الحال في مصر وتونس والمغرب التي اضطرت حركة 20 فبراير الشبابية النظام على إجراء تعديل جذري بالدستور. وعدم ظهور هذه الحركات أو التجمعات جعل التظاهرات التي دعي إلى تنظيمها محدودة وليست واسعة مثلما كان عليه الحال في كل من مصر وتونس، وهذا الأمر سهل على قوى الأمن قمعها ومحاصرتها.

وهناك سبب أساسي آخر من أسباب نجاة النظام الجزائري من تبعات الربيع الديمقراطي العربي، وهو أن المجتمع الجزائري أنهك من آثار المواجهة مع الجماعات الإسلامية المسلحة والتي بدأت عام 1991 واستمرت حتى عام 2008، وهو خشي من أن تؤدي ظروف وتداعيات ربيع ديمقراطي عبر التظاهر ومواجهة النظام إلى فوضى جديدة قد لا تبقي ولا تذر، من هنا فإن المجتمع بأطيافه وفصائله تحفظ إزاء محاولات المطالبة بإسقاط النظام، لأنها يمكن أن تسقط الدولة، لأن الدولة الجزائرية التي كانت على أعتاب حرب أهلية مازلت تعاني من الهشاشة من جراء هذه الأوضاع التي استمرت ما يقرب من عقدين من الزمن.

وهذا الوضع يطرح سؤالاً مهماً وهو هل يعني كل ذلك أن الجزائر ستظل خارج الربيع الديمقراطي العربي؟ والإجابة على هذا السؤال ليست بالبسيطة، لأن الدخول إلى الربيع الديمقراطي له عدة أبواب وليس عبر باب واحد هو التظاهر من اجل إسقاط النظام. إضافة إلى ذلك فإن الجزائر كانت تختلف عن كل من مصر وتونس في أنها كان لديها نظام ديمقراطي جزئي في الوقت الذي كانت فيه الدولتان تعبران عن نظام استبدادي كامل، وإذا كان النظام الجزائري قد أقصى الإسلاميين، فإن هذا الإقصاء لم يكن كاملاً، لأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ أقصيت في وقت يشارك فيه حزبان إسلاميان في الائتلاف الحكومي، ويوجد ثالث في مقاعد المعارضة.

والجزائر ليست بمنجاة من الربيع الديمقراطي لأنه على أعتابها فدول ثلاث من دول جوارها الجغرافي شهدت ثلاثة طرق أو أبواب للدخول إلى الربيع، تونس عبر التظاهرات التي أسقطت النظام وليبيا عبر حرب أهلية وتدخل دولي، والمغرب عبر الاختيار الداخلي أي بيدي لا بيد عمرو، وهي عرضة للعدوى من أي من هذه الأبواب. ويبدو أن الجزائر اختارت الباب المغربي أي أن يكون الأمر عبر صناديق الانتخاب، وبالتالي فإن المحك الآن هو هل ستكون الانتخابات البرلمانية الجزائرية القادمة نزيهة معبرة عن الخريطة السياسة الحقيقية، أم أنها سوف تشوبها تدخلات أو ضغوط أو محاولات لتشويه الخريطة السياسية.

وإذا كان الأمر نزيهاً ومعبراً عن الخريطة السياسية، وفتح الباب أمام إصلاحات سياسية جديدة وجدية، فإن الجزائر تكون قد انضمت إلى دول الربيع العربي بصورة اختيارية، أما إذا لم يتم الأمر على هذا النحو فستكون عرضة لطريق آخر أو باب آخر للدخول من بين الأبواب الأخرى التي شهدتها أي من مصر أو تونس أو ليبيا، فهل تدرك النخبة الحاكمة في الجزائر ذلك، أم أنها مازالت في مرحلة الإنكار.

لأن قيادات كبرى جزائرية تكرر نفس الكلام الذي صدر عن مسؤولين في دول الربيع العربي في أعقاب سقوط النظام التونسي وهي أننا نختلف عن تونس ثم تكرر نفس الأمر مع سقوط الرئيس المصري في أننا نختلف عن مصر وتونس، ثم سقطت هذه الأنظمة أو مازالت تواجه شعوبها. فهل تدرك النخبة الحاكمة في الجزائر أن الانتخابات البرلمانية المقبلة فرصة للدخول الناعم في الربيع العربي.

Email