العراق أمام مفترق طرق حاسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أزفت الساعة للانتهاء من خروج أو إخراج قوات الاحتلال الأميركية من العراق. بالدرجة الأولى يعود الفضل في التحرير إلى تأجُّج المقاومة ضد الاحتلال منذ اليوم الأول للغزو المشؤوم، واستمرارها بمختلف الأشكال والأساليب. لم يجد العراقي بديلاً عن المقاومة كأسلوب شرعي ووحيد متاح لنيل حقوقه التي سُلبت منه بين عشية وضحاها.

يترك رحيل الاحتلال خلفه فراغاً سياسياً وأمنياً كبيرين، وبيئةً اقتصاديةً اجتماعيةً ديمغرافيةً غايةً في التخلف والهشاشة والفوضى. هنالك عدة سيناريوهات لملء هذا الفراغ وإصلاح تلك البيئة؛ إن لم يتم ذلك ستستمر الكارثة في التصاعد. تصاعد يؤدي إلى الدمار الشامل لبنيان وكينونة دولة كانت فيما مضى رقماً أساسياً في المعادلات الإقليمية والدولية.

السيناريو الأول ينبثق من الحاجة إلى الإبقاء على وجود ولو رمزي للاحتلال. يتم ذلك من خلال الإبقاء على قوات أميركية في عدد من القواعد العسكرية أو داخل السفارة الأميركية؛ أعلنت الحكومة الأميركية بأنها ستحتفظ بـ 15،000موظف داخل سفارتها بعد الانسحاب. قوات «رمزية» ثمة قيادية مهمة تنسق ميدانياً مع الشركات الأمنية المنتشرة، إضافةً إلى القوى الأمنية العراقية المتمثلة بالجيش وقوات وزارة الداخلية.

السيناريو الثاني هو الاعتماد، ولو بشكل رئيسي، على الحكومة العراقية وقواتها المتمثلة بالجيش والشرطة والاستخبارات. الرهان على قدرة الحكومة العراقية، غير المكتملة حتى الآن، لا يعدو أكثر من تفاؤل طَموح لدى أتباعها وأنصارها. استنتاج يأتي بناءً على تجربة طويلة مريرة تعاقبت فيها أشكال وألوان الحكم، من الجماعي «التناوبي» إلى الفردي إلى الحزبي. في كافة تلك المراحل غرق العراقيون في حمامات من الدم. في هذا السياق تقف جل المدن العراقية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إضافةً إلى العاصمة بغداد، شواهد تاريخية على ذلك. الركون إلى التركيبة الرسمية الحالية للدولة العراقية لإدارة شؤون العراق سوف يؤدي إلى التصعيد؛ تصعيد يؤدي إلى زيادة الفوضى والعنف والتفسخ والتحلل وتعسّر الحياة.

السيناريو الثالث هو تولّي شؤون العراق من قبل جهات مختلفة، محلياً عراقياً ومن الاحتلال ومن الدول الأخرى، خاصةً الدول المجاورة. قد تتضافر الجهود لتوفير بيئة مناسبة فيها يترعرع الكيان السياسي العراقي الذي نشأ من خاصرة الغزو الأنجلو-أميركي. جرّب العراقيون مثل هذا «التضافر» خلال السنين الماضية وبشكل غير مُعلن، لكن على الأرض واقع. النتيجة هي وصول العراق إلى مرحلة متقدمة من التشرذم والانقسام والتنافر بين المكونات والعداء بين ومع الجميع. الاستمرار في هذا السيناريو يراكم الأوضاع باتجاه الأسوأ.

السيناريو الرابع، لكن ليس الأخير، هو سيطرة قوى المقاومة العراقية على الأوضاع. يأتي ذلك بالتزامن مع بروز وتعاظم القوى المناهضة للحكم والمطالِبة بالتغيير أسوة بقوى تغيير الربيع العربي. الغالبية العظمى من الشعب العراقي تؤيد خيار المقاومة ضد الاحتلال وترفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، وبأي شكل من الأشكال. العراقي العادي لا يقبل ما دون السيادة المطلقة والكاملة على مجريات الأوضاع والسياستين الداخلية والخارجية. في سبيل ذلك قدّم الآلاف المؤلفة من الضحايا والخسائر الهائلة في الممتلكات في سبيل استرجاع حقوقه الوطنية والإنسانية.

المقاومة العراقية قادرة على تولي دفة الأمور، كونها تضم كافة أطياف الشعب العراقي. مطالب المقاومة تخص تطلعات الجميع دون استثناء، وبشكل متساو. تناضل من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية والعدالة للجميع، رافضةً الطائفية والعرقية والحزبية والفردية الأنانية. بسبب نجاحها في طرد الاحتلال فهي تحظى باحترام وتقدير الجميع. بالذات تحظى بتأييد واسع من قبل قوى الأمن المتمثلة بالجيش والشرطة والقوى الشعبية المساندة.

هنالك مثل عام يقول: «رب ضارة نافعة»، بقدوم احتلال غاشم على أرض الرافدين. من يعرف؟! ربما يخرج العراق من براثن الاحتلال أكثر قوة ومنعة بجبهته الداخلية. جبهة حاولت الكثير من القوى تمزيقها باللعب على أوتار التفرقة والتخندق الطائفي والحزبي والفئوي النشاز. عراق المستقبل بحاجة ماسة إلى تضافر جهود كافة أبنائه من أجل البناء والتعمير في كافة الاتجاهات والأبعاد، والزوايا والأعماق.

Email