أوباما ينهي «حرب بوش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما وقف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في مايو 2003 على ظهر حاملة الطائرات الأميركية إبراهام لينكولن ليعلن انتهاء العمليات القتالية في العراق، ويجاهر بأن المهمة قد أنجزت لم يكن ذلك سوى كلام سياسي من شخص لم يعرف في حياته العملية قبل الرئاسة خبرة دبلوماسية في الشؤون الدولية يمكن لها أن تعزز من قيمته السياسية. فكما أخطأ في تقديره للحرب على العراق عندما اتخذ قراره بشنها في الثالث من مارس 2003، أخطأ أيضاً في تقديره لإنجاز المهمة وهو على ظهر الحاملة التي تشكل رمز القوة العسكرية الأميركية. كان الطموح هو في التحول من استراتيجية القتال إلى استراتيجية الأمن، أي أن تصبح مناطق العراق بعد «إنجاز المهمة» العسكرية أكثر أمناً واستقراراً من أجل البدء في أعمال الإغاثة والإعمار. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل بالعكس تحولت مناطق العراق بعد ذلك إلى كابوس جديد يعيد للأميركان ذكريات كابوس فيتنام قبل أكثر من أربعين سنة، وتحول حلم النجاح إلى كابوس فشل، حيث إن ما تلا ذلك التاريخ كان الأسوأ من حيث أعمال العنف التي شهدها العراق.

وبعد نحو ثماني سنوات من إعلان بوش الابن، يقف الرئيس الأميركي باراك أوباما في الحادي والعشرين من أكتوبر من هذا العام ليعلن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق من خلال سحب قواته العسكرية من ذلك البلد مع نهاية الشهر الحالي. وبذلك ينهي الرئيس أوباما تركة مثقلة بالخسائر أورثه إياها سلفه في حرب يحب أنصار أوباما أن يبعدوها عن رئيسهم ويصفوها بـأنها «حرب بوش».

واليوم يرقص العراقيون فرحاً لخروج القوات الأميركية من العراق لأنها وبكل بساطة كبدتهم من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية ما لا يمكن أن يطيقه بلد بحجم العراق. قرار أوباما بسحب القوات الأميركية جاء تنفيذاً لوعدٍ قد قطعه على نفسه للأميركان وهو الوعد الذي ساعده في الوصول إلى سدة الحكم في العام 2008، وهو بذلك يود اليوم أن يقول للأميركان بأنني رئيس أفعل ما أعد به ولست كمن لا يفعل ما يعد به. هذه الخطوة بالطبع ذو بعد سياسي انتخابي قوي، حيث إن الرئيس مقبل على انتخابات لفترة ولاية جديدة في العام 2012 وهو بحاجة إلى كل ما يمكن أن يساعده في الحفاظ على كرسي الرئاسة، لاسيما وان الظروف الداخلية تسير عكس ما يرغب به في أن تكون داعماً له في حملته لولاية ثانية. إن إخراج الولايات المتحدة من حرب لا شعبية لها عند الشارع الأميركي - نظراً لتكلفتها البشرية والمادية الكبيرة - سيساعد بلا أدنى شك في رفع شعبية الرئيس أوباما في سعيه لولاية ثانية، ولكنها هل ستكون كافية في ظل استمرار الأوضاع الداخلية في شكلها غير الإيجابي؟ هذا ما ستحدده لنا نتائج الانتخابات العام المقبل.

إن الرئيس أوباما يحاول أن يستثمر الظروف الخارجية ونجاحاته في تحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج في تعزيز حظوظه في ولاية ثانية في بلاده. فالحرب الأميركية في العراق انتهت في عهده بإعادة الجنود الأميركان إلى أهلهم، وتنظيم القاعدة تلقى ضربة قوية بالقضاء على بن لادن بقرار منه، والعلاقة بين طرفي الأطلسي على أفضل حال لها منذ حكم بوش الابن، والدعم الأميركي لإسرائيل ارتفع إلى مستويات تفوق ما كان في السابق، والعالم يتغير نحو الحرية والديمقراطية بالقوة الناعمة التي يدعو لها أوباما بدلاً من القوة الخشنة التي كان يدعو لها بوش الابن، والحرب على الإرهاب، لاسيما في أفغانستان وباكستان هي شغل الرئيس الشاغل في الفترة الحالية وتركيزه بعد العراق. كل هذه الأمور يأمل من خلالها أوباما أن تقف معه العام المقبل وتسانده في الانتخابات الرئاسية. ولا يمكن لنا أن ننسى تأثير التحركات الشعبية في العالم العربي ضد الأنظمة الاستبدادية والفاسدة، والتي أصبحت تنادي بالحرية ورفض الظلم، وهي أمور لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهلها من خلاله استمرار قواتها العسكرية في بلد عربي يقع في قلب الحراك الشعبي الجديد.

فكما كان العمل العسكري الأميركي في العراق سنداً لبوش الابن في انتخابه لولاية ثانية في العام 2004 فإن أوباما يأمل أن يكون تحركه لإنهاء ذلك العمل الأميركي في العراق سنداً له هو أيضاً في الحصول على ولاية ثانية تبقيه في البيت الأبيض الأميركي لأربع سنوات جديدة، ويصبح بذلك أول رئيس أميركي من أصول أفريقية يكمل فترتين في رئاسة الولايات المتحدة ألأميركية.

Email